الصفحات

الأحد، 16 أكتوبر 2011

ثورة الفُقراء : لنُكملَ نصفَها الآخر!!

ثورة الفُقراء : لنُكملَ نصفَها الآخر!!


لستُ هنا بصدد التحدث عن منجزات الثورة المعنوية و قدرتها على جمع أكبر عدد من المصلين في يوم الجُمعة بواسطة إستخدام سحر الكلمة و الأصوات الجهورية ، لكن ما أنا بصدد مناقشته هنا هو الأسباب التي جعلت الثورة الشبابية الشعبية المُباركة ثورةً من نوعٍ آخر و بأسم فريد هو : ثورة النصف ، علَ ذلك يكشفُ عنا الغطاء لنُدرك متعقلين انّ المكابرةَ ليست في صالح أحد مع الإعتذار الكامل لمصطلح (صالح) الذي عبث به القاصي و الداني...


إبتداءً ، شرع النائمون و المستيقظون على عقائد المكيروفونات و المشاريع الغير محدودة بمقاييس الزمن و المكان و الأبعاد الفيزيائية بمحاولاتهم المستميته للسيطرة على المنصات و الساحات و جعلها جبلَ أُحد ليحميَ الثوار بخلفيات النصر و الفتح المُبين و المؤمن القوي خير و أحب الى الله من المؤمن الضيعف ، كانت هذه المحاولات تعبث بغباء في وحدة الصف و في جعل الثورة ثورة شعبٍ يطالب بمطالب مُستحقة و منطقية و كالمعتاد استطاع النظام المتحصن بأخطاء مثل هذه أن يستثمر هذه الأخطاء كأحسن ما يجب...


الثورة بحاجةٍ الى حماية ، هكذا كانت المعزوفة الأنثروبيولجية تستعمر كل أُذن ، تستهوي كل لُب ، و يتخندق خلفها كل من أراد أن يحميَ الثورة بسلاستها و سلميتها ، يا للسخافة!! الثورة بحاجة الى حماية ، و للسخافة أكثر عندما إقتنع الكثيرون بأن جيش الثورة سيكون نصراً لها بل نصراً حاسما لسلميتها ، لكن هذا ما حدث ، و كالمعتاد استطاع النظام المتحصن بأخطاء مثل هذه أن يستثمر هذه الأخطاء كأحسن ما يجب...


تقدمت القوتين خطوات نحو وأد الثورة الشعبية ، بحسنِ نية ، فتراجعت قوة الثورة الشعبية خطوات ، بحسن نية ، كذلك ، و أستثمر النظام ، بسوء نية ، الوضع فعمل على تنقيص نصف قطر الثورة حتى أصبح ضيقا ليكون قطرها الجديد خط متكون من جزئين : الفرقة و حزب الإصلاح الإسلامي ، و كما هو معلومٌ فإن الدعمَ الدُولي يتناسب طردياً مع نصف قطر دائرة الثورة ...


لم نصلْ بعد ، كل هذا كان توطئة لمنح الثورة الشعبية لقب ثورة (النصف) الذي بدوره مهد لتصرفات في غاية الغرابة قلما تحدث في حدث إستثنائي يُسمى ثورة ، التصرفات الغريبة هي الجمع بين العمل السياسي و الثوري بشكل هزيل للغاية ، مفاوضون لا يمثلون أحداً و ثواراً في الساحات لا يُمثلُهم أحدا ، يا لها من دالة بمتغيرٍ واحد هو التناقض !!


هذه الدالة المُتمردة فرزت لنا مجاهيل و سلوكيات دموية تسفك دماً بأغبى صورة و أكثر هزلية مُمكنة ، مسيراتٍ كلما خمدت نارُ الثورة و تقلص حظوظ المفاوضات على الطاولات المستديرة ، قذف بالشباب السلمي الحُر المتطلع للحرية و العيش الرغيد و من ورائهم الفرقة لحمايتهم!! ، الصدور العارية تتقدم و القوات المسلحة ترافق المسيرة التي يوقن الجميع بأنها ستتعرض للقمع بالقوة المُباشرة و تلك هي الدالة الشاذة و المحصله ليس صفراً كما يظن النبهاء في علم الرياضيات بل أشلاءً توزع في الشوارع و الأرصفة و دماءً زكية طاهرة ترسم لوحة مأساوية على الشوارع العامة مفادها : نُساقُ الى الموت و هم ينظرون ...


مسيرات الموت هذه التي تسعى لإثبات بأن علي صالح قاتل و سفاح تكررت أكثر من مرة و راح ضحيتها أنبل و أفضل ما يملك اليمن من شباب و مواطنين يسعون لحياة كريمة لهم و لعيالهم من بعدهم ، و لم تُحقق هذه المسيرات أي شيء سوى خُطبٍ على قنوات إخباريه تبعث الإشمئزاز...


ما ينبغي قوله هنا هو أن الدوال الشاذه لن تصل بالثورة الى منصات التتويج إذ أن هذه الدوال لا تحمل سوى متغيرات التناقض ، على الثورة أنّ تُجدد مسارها فإما حسماً تشترك فيها جميع المحافظات بالتساوي و تصعيداً يُسقط كل الدوائر الحكومية و حينها فلن يكون للجيش أي قدرة أمام طوفان الشعب ، الشعب كل الشعب ، و إما سعياً نحو مصالحة وطنية و حوارٍ وطني يعتمد على المُفاوضات و تقديم التنازلات قدر الإمكان ، لم يعد للخلط بينهما أي مسوغ منطقي عقلاني ، الأعمال التي تدفع بالشباب نحو الموت لن تكون قابلة للتبرير او حتى التصديق إذ أن الدماء تذهب و لا تغير على أرض الواقع يردف هذه الدماء الطاهرة النقية...


سأتفق مع كثيرٍ من القائلين بأن نقاش مثل الأسباب ، التي جعلت من ثورتنا ثورة (النصف) في الوقت الراهن ، ليس في مصلحة الثورة بشرط أن نتجه نحو أخذ قرار تكون إحتمالاته شيئين إثنين : الحسم الثوري على مختلف كل الصعد ، او التفاوضات و تقديم التنازلات ، حتى نحقن ما تبقى من دماء الشباب الصابر المؤمن بقضيته...


لندع الثورة تُكمل نصفها الآخر بأخذ قرارنا و صدقنا مع أنفسنا و وضوحنا في إتخاذ الوسائل المؤدية لإكتمال الثورة المُباركة ما لم فإنها ستظل كالمعلقة كابرَ من كابر و تغاضى من تغاضى...

اللهم هل بلغت اللهم فاشهد!!

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

الأسطورة

الأسطورة !!


شخصياتٌ عاريةٌ في ساحة يملؤها النُساك الصالحون ، فصولٌ عابثة في كتاب يملؤه الجد و العُمق ، كائنات هزلية تقتات على التواجد اللامكاني العدمي المحض ...


كفى لقد أسرفت ، الأمور محصورة بحدودٍ ضيقة كما ترى ، الإندفاع الهجائي قد لا يكون على قدر كافٍ لإبراز الحقائق ، لم أركَ مغتاضاً من قبل بمثل هذه الصورة  ، تابع صديقي نصائحه المنطقية بينما رحتُ أسرح في عالمٍ أخر رُبما لا يُصغي كثيرا لمثل هذه الأشياء  ، أخذتُ مخيلتي و رحلتُ بينما ظل هو في قارب كلماته في بحر بلا أمواج...


طابت لي الكلمات التي رددتُها من ذي قبل فشرعتُ بتلحينها و غنائها : شخصياتٌ عارية في ساحة يملؤها النُساك الصالحون ، فصولٌ عابثة في كتاب يملؤه الحد و العُمق ، كائنات هزلية تقتات على التواجد اللامكاني العدمي المحض ، و زاد صخب صوتي الرخيم غناءً و ترديدا بترانيم غير معهدوه و لكأن مراداتٍ ما تعمدتْ ان أنتشي في ذلك الحيز الزماني من ساحة الزمان المترهلة طولاُ و عرضاً ...


إنسجام موسيقي مُرتب كنفخة الصور تبعثُ من جديد (عدمية ) الفيلسوف الفرنسي (سيوران) ، تتدرج الموسيقى بإيعاز من ( الثلاثي جُبران) بإيماءات أناملهما على أوتار العود لتُعيد ترتيب أوراق الزمن من جديد ، (محمود درويش) يُصر الا أن يكون حاضرا بأزلية الجمال ليكون كمُربِ صوفي يتوسط حضرةَ ذكرٍ أطرافها : الأبدال ، والأقطاب ، والأوتاد ، والعرفاء ، والنجباء ، والنقباء  ، ليتقمص دور الغوث في هذه التوليفة الصوفية المتناهية في مغازلة الأرواح و عوالمها الأنيقة ، في الجهة المُقابلة من مقصورة الزمن المذكور آنفا كان (روديارد كبلنغ) يصدح بترتيل قصيدته الخالدة : إذاً ، إرتفع صوته عندما وصل الى :


إذا عجز الأعداء … والأصدقاء … والمحبون...
عن إثارة حفيظتك … بإيذائهم إياك
إذا استطعت أن تملأ الدقيقة الغاضبة
التي لا تغفر لأحد
بما يعادل ستين ثانية من السعي ركضاً
فلك الأرض وما عليها
و أنت … فوق ذلك كله
ستكون رجلاً … يا بُني


خشعتِ الأصوات ، عمّ الصمت ، سافرت الأبصار الى فيلسوف العصر و كأنها تناجيه أن يوقف هذا الطوفان الغني بالأصدقاء ، الأعداء ، المحبين ، الإثارة ، الدقائق الغاضبة ، المختومه بخطابٍ أبوي رقيق ، فهم الفيلسوف سفر الأبصار ، داهم الصمتَ بمقولته الخالدة : ثمةَ راهبٌ و جزارٌ يتشاجران داخل كل رغبة...


بينما كان (الغوث) في حضم الصمت المُطبق إستثارته حركة ( الثلاثي جُبران) بأخذ آلات سلامهما ، الكاريزما العربية ذات النكهة الأكثر جمالاً و أناقة أخذت زُخرفها و ازينت و في أثناء مراسيم الإستعداد كانت مخيلة ( الغوث) تجول في فضاءات الإبداع لتنتقي خيرات حسان الكلمات و أملحها  ، و من دون سابق إنذار أطلق معزوفته الشهيرة ليجد الناسُ كلهم في بحرٍ شعرٍ عذبٌ ماؤه ...


إنا حملنا الحزن أعواما و ما طلع الصباح

و الحزن نار تخمد الأيام شهوتنا

و توقظها الرياح

و الريح عندك كيف تلجمها

و ما لك من سلاح

إلا لقاء الريح و النيران

في وطن مباح


ما أكثر المواطن المُباحة سيدي ( الغوث) ، إقتحامٌ لمنارات العلم و الثقافة بعقليات أصولية ريدايكالية لا تفقه سوى الهمزات على السطر و النقاط المتنافرة ، أعترفُ أني لن أتوقف عن غنائي بعد أن رَقَبتُ حضرتك عن جُنب ، أنا الآن أكثر إيماناً بما كنتُ أردد ، يا للكارثة!!


إنقضى جزءٌ كبيرٌ من الثورة بكل تفاصيله المُشبعة بكل ألوان الحياة و الموت ، اليأس و الأمل ، التجاذب و التنافر ، تجلى كلُ شيء أمام نورها و كأنها منشور يلدُ من لون الشمس سبعة ألوان مُتباينة كل التباين ، لكن من أغرب ما ولدته تلك الثورة هو لون الشمس ، هكذا يُمكن توصيفه ، رجل بسبع شهوات ، سبع عقليات ، متلون يبرعُ في التلون ، إنه : الأسطورة!!


الأسطورة ، يبدو الأسم غريباً بعض الشيء ، لكن لا بأس فالأشياء من أول وهلة تبدو غريبة ، غير أن هذا النوع من الأسطورات طفرةٌ من نوع شاذ ، أقصد من نوع خاص، أسطورة من ذلك الفصيل المنشوري...


لم يمضِ على تذكري جلسة العظماء تلك سوى دقائق معدودات ، أحسستُ بعض كلمات في جوفي تحاول الخروج الى فضاء الحُرية ، ناشدت أرواحَ كل ذلكم العظماء ، و في اثناء إنتظار إجابة الإستغاثات توجهتْ ، أي الكلمات ،  بزخمها الثوري الذي لا يُصد فولدت نفسها ....


هدير من الحروف ، سيل جرار ، إنتصارٌ للحقيقة في محكمة بلا قاضي تشكلت في نسق عزائفي كانت أحدى مقطوعاته:


  الأسطورة فراغٌ في سديم مُظلم لا يُرى و لا يستطع التعبير عن نفسه بطريقة راقية ، ليت الأساطير تعلم ذلك لتُدرك انها في وهم مُخيف... ترسلت و بعد توقف للزمن تتابعت كالخطى الواثقة التي ملتِ الإنتظار لتقول:

 كلُ  الأساطير تسلي نفسها كذبا
إذ أنها تدعي سماء بأعمدة
لكي لا تهوي،،،

 كل الأساطير تغتصب نفسها
لتبدوَ عفيفة تُجيدُ العفافَ
لكنها تُنجب سفاحا...

كل الأساطير مُغلفةٌ بالتسامح
و الخبثُ بادٍ بين عينها
تقيم علاقاتٍ لتنشر المكر
لكنها مغلولة بمكرها


ستثبتُ الأيام أن الأساطير ما آمنتْ يوماُ بثورة ، تحوم حول فريستها لتوقعها بإسم الثورة ، إن قل الأمر أو كثر فأقل ما تخرج بها الأساطير هو إمراءة بمثابة غنيمةٍ إن صلحتْ فالثوراتُ تُجمع شمل الأشتات ، و إنْ فسدت فما كانت سوى محاولة...


بإنتظار التوكيل أن يصل ، قد تكون الدقائق و الثواني إبتهالات ما بين الثورتين ، و للثورات إبتهالاتٌ أسطوريةٌ ماكرةٌ أحيانا ، و بهتانيةٌ في أحاين كثيرة...