الصفحات

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

الأسطورة

الأسطورة !!


شخصياتٌ عاريةٌ في ساحة يملؤها النُساك الصالحون ، فصولٌ عابثة في كتاب يملؤه الجد و العُمق ، كائنات هزلية تقتات على التواجد اللامكاني العدمي المحض ...


كفى لقد أسرفت ، الأمور محصورة بحدودٍ ضيقة كما ترى ، الإندفاع الهجائي قد لا يكون على قدر كافٍ لإبراز الحقائق ، لم أركَ مغتاضاً من قبل بمثل هذه الصورة  ، تابع صديقي نصائحه المنطقية بينما رحتُ أسرح في عالمٍ أخر رُبما لا يُصغي كثيرا لمثل هذه الأشياء  ، أخذتُ مخيلتي و رحلتُ بينما ظل هو في قارب كلماته في بحر بلا أمواج...


طابت لي الكلمات التي رددتُها من ذي قبل فشرعتُ بتلحينها و غنائها : شخصياتٌ عارية في ساحة يملؤها النُساك الصالحون ، فصولٌ عابثة في كتاب يملؤه الحد و العُمق ، كائنات هزلية تقتات على التواجد اللامكاني العدمي المحض ، و زاد صخب صوتي الرخيم غناءً و ترديدا بترانيم غير معهدوه و لكأن مراداتٍ ما تعمدتْ ان أنتشي في ذلك الحيز الزماني من ساحة الزمان المترهلة طولاُ و عرضاً ...


إنسجام موسيقي مُرتب كنفخة الصور تبعثُ من جديد (عدمية ) الفيلسوف الفرنسي (سيوران) ، تتدرج الموسيقى بإيعاز من ( الثلاثي جُبران) بإيماءات أناملهما على أوتار العود لتُعيد ترتيب أوراق الزمن من جديد ، (محمود درويش) يُصر الا أن يكون حاضرا بأزلية الجمال ليكون كمُربِ صوفي يتوسط حضرةَ ذكرٍ أطرافها : الأبدال ، والأقطاب ، والأوتاد ، والعرفاء ، والنجباء ، والنقباء  ، ليتقمص دور الغوث في هذه التوليفة الصوفية المتناهية في مغازلة الأرواح و عوالمها الأنيقة ، في الجهة المُقابلة من مقصورة الزمن المذكور آنفا كان (روديارد كبلنغ) يصدح بترتيل قصيدته الخالدة : إذاً ، إرتفع صوته عندما وصل الى :


إذا عجز الأعداء … والأصدقاء … والمحبون...
عن إثارة حفيظتك … بإيذائهم إياك
إذا استطعت أن تملأ الدقيقة الغاضبة
التي لا تغفر لأحد
بما يعادل ستين ثانية من السعي ركضاً
فلك الأرض وما عليها
و أنت … فوق ذلك كله
ستكون رجلاً … يا بُني


خشعتِ الأصوات ، عمّ الصمت ، سافرت الأبصار الى فيلسوف العصر و كأنها تناجيه أن يوقف هذا الطوفان الغني بالأصدقاء ، الأعداء ، المحبين ، الإثارة ، الدقائق الغاضبة ، المختومه بخطابٍ أبوي رقيق ، فهم الفيلسوف سفر الأبصار ، داهم الصمتَ بمقولته الخالدة : ثمةَ راهبٌ و جزارٌ يتشاجران داخل كل رغبة...


بينما كان (الغوث) في حضم الصمت المُطبق إستثارته حركة ( الثلاثي جُبران) بأخذ آلات سلامهما ، الكاريزما العربية ذات النكهة الأكثر جمالاً و أناقة أخذت زُخرفها و ازينت و في أثناء مراسيم الإستعداد كانت مخيلة ( الغوث) تجول في فضاءات الإبداع لتنتقي خيرات حسان الكلمات و أملحها  ، و من دون سابق إنذار أطلق معزوفته الشهيرة ليجد الناسُ كلهم في بحرٍ شعرٍ عذبٌ ماؤه ...


إنا حملنا الحزن أعواما و ما طلع الصباح

و الحزن نار تخمد الأيام شهوتنا

و توقظها الرياح

و الريح عندك كيف تلجمها

و ما لك من سلاح

إلا لقاء الريح و النيران

في وطن مباح


ما أكثر المواطن المُباحة سيدي ( الغوث) ، إقتحامٌ لمنارات العلم و الثقافة بعقليات أصولية ريدايكالية لا تفقه سوى الهمزات على السطر و النقاط المتنافرة ، أعترفُ أني لن أتوقف عن غنائي بعد أن رَقَبتُ حضرتك عن جُنب ، أنا الآن أكثر إيماناً بما كنتُ أردد ، يا للكارثة!!


إنقضى جزءٌ كبيرٌ من الثورة بكل تفاصيله المُشبعة بكل ألوان الحياة و الموت ، اليأس و الأمل ، التجاذب و التنافر ، تجلى كلُ شيء أمام نورها و كأنها منشور يلدُ من لون الشمس سبعة ألوان مُتباينة كل التباين ، لكن من أغرب ما ولدته تلك الثورة هو لون الشمس ، هكذا يُمكن توصيفه ، رجل بسبع شهوات ، سبع عقليات ، متلون يبرعُ في التلون ، إنه : الأسطورة!!


الأسطورة ، يبدو الأسم غريباً بعض الشيء ، لكن لا بأس فالأشياء من أول وهلة تبدو غريبة ، غير أن هذا النوع من الأسطورات طفرةٌ من نوع شاذ ، أقصد من نوع خاص، أسطورة من ذلك الفصيل المنشوري...


لم يمضِ على تذكري جلسة العظماء تلك سوى دقائق معدودات ، أحسستُ بعض كلمات في جوفي تحاول الخروج الى فضاء الحُرية ، ناشدت أرواحَ كل ذلكم العظماء ، و في اثناء إنتظار إجابة الإستغاثات توجهتْ ، أي الكلمات ،  بزخمها الثوري الذي لا يُصد فولدت نفسها ....


هدير من الحروف ، سيل جرار ، إنتصارٌ للحقيقة في محكمة بلا قاضي تشكلت في نسق عزائفي كانت أحدى مقطوعاته:


  الأسطورة فراغٌ في سديم مُظلم لا يُرى و لا يستطع التعبير عن نفسه بطريقة راقية ، ليت الأساطير تعلم ذلك لتُدرك انها في وهم مُخيف... ترسلت و بعد توقف للزمن تتابعت كالخطى الواثقة التي ملتِ الإنتظار لتقول:

 كلُ  الأساطير تسلي نفسها كذبا
إذ أنها تدعي سماء بأعمدة
لكي لا تهوي،،،

 كل الأساطير تغتصب نفسها
لتبدوَ عفيفة تُجيدُ العفافَ
لكنها تُنجب سفاحا...

كل الأساطير مُغلفةٌ بالتسامح
و الخبثُ بادٍ بين عينها
تقيم علاقاتٍ لتنشر المكر
لكنها مغلولة بمكرها


ستثبتُ الأيام أن الأساطير ما آمنتْ يوماُ بثورة ، تحوم حول فريستها لتوقعها بإسم الثورة ، إن قل الأمر أو كثر فأقل ما تخرج بها الأساطير هو إمراءة بمثابة غنيمةٍ إن صلحتْ فالثوراتُ تُجمع شمل الأشتات ، و إنْ فسدت فما كانت سوى محاولة...


بإنتظار التوكيل أن يصل ، قد تكون الدقائق و الثواني إبتهالات ما بين الثورتين ، و للثورات إبتهالاتٌ أسطوريةٌ ماكرةٌ أحيانا ، و بهتانيةٌ في أحاين كثيرة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق