الصفحات

الأربعاء، 29 يونيو 2011

بدون عنوان!!!

                                                                                      بدون عنوان...


لماذا حُشرنا -كبشر- في ركن وزاوية ضيقة في الكون!! ، يا تُرى هذا لهذا التقدير تفسير في قواميس البشر ، الكون بطوله وعرضه خاوٍ ونحن نعيش في جزء محصور من الأرض التي لا تساوي أي شيئ أمام الكون المنتشر الأطراف!!.

عجبا ، تذكرت كل هذه التساؤلات المتوهجه في ذاتي المحصوره في أركان جسدي المطُبق عليها كالحصن الحصين ، تحاول أن تنطلق وأن تهوي في فضاءات الكون فتجد نفسها مُكبلة بأنواع الأغلال والسلاسل السميكة ، فأُعاود التسآؤل من جديد ، لماذا حُشرت نفسي في ركن وزاوية ضيقه في جسدي الفسيح!!.

دوي رنان يزعجني كثيرا ، وتحسب أنك جُرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر.... وتحسب أنك جُرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر .... ويتكرر الصوت كلما خفت متجددا لا ينضب ، ومتوهجا لا يخبو..

هل حقا هناك إنطواءات لعوالم غير محدوده؟! ، رُبما فمن يدري!! ، لكني أحس أنه من الغُبن الغير مُفسر ان ذواتنا محصوره ، نعم محصوره في شيئ لا يفقه شيئا كالجسد هذا ، الجسد الأصم ، ولكأن الكون سيُصبح عبثا إن وهب لهذه الذات حريتها فانطلقت ، لا أدري فربما يكون هذا التفسير احد حلول لُغز القضيه..

سامحك الله لقد فضحتيني يا نفسي اليوم!! ، لقد ذهبت كل منطقيات الأمور ، آساليب العقل في التعامل مع القضايا كقعطة حلوى تنصهر في محلول مائي ، تصرف أحمق لا أدري لم وكيف ، أقسم بأني الإنسان ليس حُرا ، وأقسم أن هناك قوة تتحكم به وهو لا يدري ، قد يكون لإنطواء الذات داخل هذا الجسد العنجهي تهيجا لهذه القوى أن تعبث بالإنسان ككل ، جسدا وذاتا...

تذكرتُ... قد تُرفع الأقلام ولا تُرفع الإ لحسم أمور جليلة ، تأملوا معي : تُرفع الأقلام عند الفروغ من كتابة اللوح المحفوظ ، وأحوال وأعمال الناس والخلائق ، رُفع مرةً بعد أن تم كلُ شيئ في مكانٍ ما في كونٍ هو من مخلوقات الله ، هناك حيث لا احد يدري ما الذي حدث ، لكنه على كل الأحوال حدث ولا بد من التعامل معه كيفما كان ، وبالطريقة التي أُريد لها أن تكون.

رُفع القلم مرة أخرى عند تقديم بروتوكولات التكليف ، فرُفع القلم – بطريقة مُغايره- في ثلاثة حالات: المجنون والنائم والطفل الذي لم يبلغ الحلم ، لكن ما يهمني : هل لرفع قلم التكليف عن هولاء الأصناف متعلق بمنع تحكم قوى أخرى ، كالتي تحكمتْ بي هذا المساء؟!!.

أعود وأُقسم أن الإنسان ليس حُرا ، وأن هناك قوى عابثه غير التي نعرفها تتحكم به في أوقات محدده بدقة وبترتيبات متفاوته ، أقسم بذلك ولا أملك دليلا ماديا بعد... لكن هل نكون مُحاسبين عن هذه الأخطاء إن إرتكبناها في حالة اللا وعي تحت تأثير هذه القوى المتحكمة... لا شك سنجد الإجابة ذات يوم...

عالم ، طاقات ، إنطواءات ، ذوات ، قوى خارجية ، تحكمات مُريبة ، كلُ هذا يحتاج الى فك هذا الغموض المُخَيِم ، وهل هذا الإنسان بهذه العوالم المتداخلة غموضا بحد ذاته؟! ، قد تكون صاعقة من نوع خاص إذا أُثبت أنْ الإنسان هو مؤسس لإصول هذه الغموضات المنتشره ... هو غموض يكتنف أساس الأشياء وجوهرها ، ويُخيم على تفسيرنا لما نخالط في حياتنا اليومية ، وفهمنا للأشياء الإعتيادية...

لا مناص من أن يُصبح الإنسان بوهيميا حتى يُقنع نفسه بأنه ليس قطعةً من غموض ، أو على الأقل بأنه جرمٌ تنطوي فيه العوالم الكُبرى ، لا مناص من ان نغدوا بوهيميين حتى نفسر كل شيئ جديد نعمله ، حتى لا نُصبح آلات بشرية تؤدي دورها بدقة حسب الحياة الإعتيادية الرتيبة ، رتابة في تناول الأمور ، رتابة في الجدول اليومي ، رتابة في الأساليب التي نستخدمها ، حتى رتابة في تفكيرنا وما نُخرجه وما نُنتجة...


ااه لو كان القلم يستأنف رفعَه فأطالبه بضمي لهولاء الثلاثة المرفوع عنهم القلم الى حين أجد تفسيرات لكل الغموض المُحيط ، الى أن أستطيع أن أتناول الأشياء بدون رتابتها السخيفه ، حتى أكون بوهيميا بحق ، ااااه لو كان يُجدي ذلك ....

الثلاثاء، 28 يونيو 2011

الإسلاميون والنظام الإقتصادي المُرتقب!!


الإسلاميون والنظام الإقتصادي المُرتقب!!


العالم بات أشبه بقرية صغيره وأصبح تحديدا كالحلقة الصغيره المُغلقة الحدود إقتصاديا ، وبات من الصعب فصل هذه الحلقة وتجزيأها الى قطع متناثره ، وبالتالي كان هناك طريقان حتى يتم الإنسجام مع العالم المحيط فإما القبول بالموجود وتقليل الغير مرغوب فيه أو إيجاد بديل يرتقي أن يكون ذات كفاءة وفعالية حتى يكون بديلا للنظام الأول...


الإسلاميون بشكل عام- والإصلاح بشكل خاص- يكتنف برامجهم الإقتصادية نوع من الغموض المُبيت ، والمُبيت هنا تعني عدم وجود رؤية واضحة تم طرحها ولو من باب البرامج الإنتخابية للناس تحدد نوع النظام الإقتصادي الذي سيتبعونه لاسيما بعد التمهيد لأسلمة كل شيئ في البلاد فمثلا فقد أًصبحت بعض البنوك إسلامية ، بعض المستشفيات إسلامية !! ، بعض الجامعات إسلامية !! ، حتى أصبح مصطلح إسلامي مرتبط إرتباطا وثيقيا في السوق الإقتصادية البدائيه في اليمن.


هو تساؤل يبدو منطقيا للغاية إذ أن النظام البنكي المعمول به حاليا يقابل بنوع من مداهمات التشكيك كتلك التي تقول أن البنوك الحالية بنوكا ربوية تتعامل بالربا ولذلك تم تمهيد لفكرة البنوك الإسلامية كبنك التضامن الإسلامي وبنك سبأ الإسلامي مما أوحي بأن النظام الحالي لم يعد قادرا أو حتى ملبيا لطمأنينة الناس ، فمجرد وجود مصطلح إسلامي يجعل من الوصول الى قلوب الناس المتدينين بالفطره سهلا وبالتالي تكون عملية الجذب ممكنة بلغة استثمارية بحته.


حقيقة ، يقودنا هذا التسلسل المترسل لمناقشة هذه القضايا الى نقطة هي بعيدة العمق حيث يتجلى التنبؤ بعدم القدرة  على إنشاء نظام إقتصادي إسلامي عالمي شامل وكامل  - على الأقل في الوقت الراهن - يحل محل النظام الإقتصادي الحالي ، وهذا بالتأكيد يخلق نوعا من الفوضى الإقتصادية خاصة بعد الدعوات التمهيديه نحو  نظام إقتصادي إسلامي بحت منذ سنوات عن طريق عمليات منظمة إستهدفت النظام الإقتصادي القائم لصالح النظام الإقتصادي الإسلامي المُمبشر به.


وباعتقادي ، فإن أخذ موقف العداء من الأنظمة الحالية لمجرد أنها لا تحتوي على مصطلح إسلامي وإن مكن بعض القوى الإسلامية من الوصول للحكم تحت ذريعة عاطفية دينية فإنه بلا شك لن يمكنهم من التعامل مع القضايا الإقتصادية والقضايا العالمية على ما يجب ، فكثير من القضايا ستجعلهم بين موقف الكاذب والمخادع كقضايا البنوك الربويه –المزعومة- والتعامل مع الغرب واليهود ووصولا الى قضايا السياحة و ما يتعلق بها من قضايا الأختلاط ونشر الفاحشة وإنتهاءا الى ترويج الفكر الصليبي ونشره في أصقاع البلاد.


إن مثل هذه القضايا البسيطة التي تجاوزها المجتمع المتحضر ستظل عقبة كؤدة أمام الإسلامين إذا ما حكموا لأنهم بكل بساطة حاولوا الصعود الى سدة الحكم عبر العزف على هذا الوتر الحساس الذي يستهوي أفئدة البسطاء والعاطفيين من الشعب ، ولا أظن أن عدم مناقشة هذه القضايا في برامجهم المطروحه هو من قبيل " التُقية السياسية " بل من قبيل عدم فتح أبواب هي مُغلقة و فتح نقاشات لا أول لها ولا آخر ستُحتم عليهم الإلتزام بمسؤوليات وإلتزامات من الصعب الوفاء بها بسهولة.


حزب الإصلاح الحزب الأكثر تنظيما في اليمن معولٌ عليه الكثير ولذلك نتمنى نحن أن نرى في لقاءات قادة الإصلاح-الأجلاء- مناقشة برامج ويا حبذا لو جُعل للجانب الإقتصادي الحيز الأكبر حتى نسعد ونطمئن ويتجلى الخوف الجاثم على الصدور من وصول الإسلاميين الى الحكم ، وبالتأكيد ستكون سُنة حسنة يسنها الإصلاح للأحزاب الأخرى فتشرع الأحزاب السياسية جميُعها الى مناقشة برامج اقتصادية تمنويه تعزز من موقع البلد دوليا وحضاريا...


من حقنا كيمنيين أن نطالب حزب الإصلاح – وكل الأحزاب- ببرامجها وتوجهاتها تجاه الوطن ، وتبعا لهذه البرامج المُقدمة نستطيع ان نحكم على اداء الاحزاب وصدقهم من كذبهم وتملصهم من وعودهم ، وحتى نكون على علم مسبق نحو السياسات والمنهجيات المُتبعه التى ستُدار بها البلد إن هم حكموا ، سواء كانت هذه السياسات اقتصادية او داخلية او حتى خارجية حيث الحساسية العُظمى...

السبت، 25 يونيو 2011

الزحف نحو النهدين!!


الزحف نحو النهدين!!

مدركا ، بات الأمر أشبه بتجريب مهارات فنية راقية لإستنهاض همم الثوار – العظماء- حتى لا تُصبح الثورة "حنبة" على حد تعبير الدكتور الشهير ، وبات من الإبداع إكتشاف طريقة ما ، تُعجل من إتخاذ الحلول المعروفة لدى كل الأطراف في الساحات ، ولا أجدُ مفرا من تقديم محاولة وإن كانت بطريقة أو بأخرى قضية فطرية غفل عنها الأكثرون.

يقول مظفر النواب : "إن حكم النهد يفوق حكم كسرى في الليل" ، هذا على فُرش الزوجية الرغيدة ، لكن ماذا على ساحات الثورة وميادينها الشريفة؟!! بالتأكيد الإنجذاب نحو (النهدين) سيكون أكثر وأوجب حتى تُلبى الرغبات المكبوته منذ 33 سنة او يزيد قليلا.

ليس في الأمر أي فُحش أو بذاءه ، لكن فيه حاجة ماسة توقف عنف العسكر وشهوات الساسة ، وتُنجي البسطاء من حسيس نيران هاتين الطامتين اللتين يشعر أصحابها بلذة لا تُضاهيها لذة ، إنها لذة القتل و السيطرة الفرعونية المُقيته ، والضحية الأكبر هو الشعب المغلوب على أمره الذي يعاني بالنهار من أزير الرصاص ، وفي الليل من المكر السيئ لأرباب الشهوات السياسية.

هيا نتوجه سويا الى رواية "أقنعة الشياطين" لعادل دهنيم ، وبالتحديد الى قوله : "نهداي هذان إمامان إن قاما وإن قعدا ، ومن يهده الله الى هذين النجدين فقد أوتي من الخير الكثير" ، فياليت العُقول الثورية تهتدي نحو النهدين لتجعل لمعانات الناس والترهل الثوري نهاية فتسعد البلاد والعباد ، وتُصبح الثورة متوجة وصراطا يسير عليه اليمنيون ليصلوا الى دولتهم المدنية العادلة.

أقولها وبلغات الثوريين الأبطال ، لقد حان الوقت الى الزحف نحو النهدين ، فقد أُعطي كلُ أحد فرصته ولكن دون جدوى ، أستبيحت الدماء ، وأُحتكرت السلع والمواد الأساسية ، و ضرب الإرهاب وسفك النفس المحرمة خيامه في أبين ، وتحولت تعز الثقافة بُقدرة قادر بين عشية وضحاها الى ساحات معارك شرسة ليس لها معالم ولا حدود ولا حتى إشارات مرورية مُرشده.

نعم للزحف نحو النهدين ، ونعم لوضع حد لمأساة الناس ، ولتتويج الثورة بتاج الوقار ، لم يعد الإنتظار مُجديا ولا حتى مُسليا ، فلقد أُستنفذت الأغاني والرقصات والزوامل وحتى أذكار الصباح والمساء ، ولقد نفد جهابذة الخطب الجُمعية من حزب الإصلاح وأخذ كلٌ دوره حتى وصل الدور الى اعلى الهرم في الجمعة الماضيه ، ولم يتبقى الا دور المُكرفتين المدنيين من الحزب الأكثر تنظيما ، حقيقة  كل أشكال الفن والدعوة والكلمات والشعر والنثر والعصيد تم تداوله حتى أننا لم ندخر لمثل هذا اليوم شيئا حتى يُقال ، الإستقالات بكل أنواعها الحُمر والصفر والبنفسجيه وحتى الأروجوانية تُليت وأُذعيت يوم الزينة ، كل شيئ كان يُتوقع إنضمامه إنضم ، ولم يعد بالإمكان توقع المزيد ، المبادرات تلو المبادرات ، الأحزاب وحرصها على الدم اليمني ، السياسات المغلقه والمغلفه ، لم يبقى الا الزحف نحو النهدين ، فهلا تهيأنا له يا رفاق!!

الى النهدين ولا غيرُ ، ولنختصر مسافات الزمن ، فالثورة هي مبدأ قبل أن تكون قناعات ، وهي تتحكم في حياة الناس وبالتالي لابد من التعامل مع الوضع بمسؤولية فلا معنى لثورة تزيد من معاناة الناس وتُفقدهم أشياء كانوا يمتلكوها في الماضي بكل سهولة و يُسر ، الطرف الآخر –أعني أنصار النظام- قد يُبرر كل هذه الممارسات ببلاده تامه فمعاناة الناس لا تعنيه بشيئ بقدر ما يعنيه إفشال الثورة وإظهارها بأنها قاصمة للظهر ، وبالتالي لوم الطرف الآخر وتحميله المسؤولية إنما هو من قبيل الحُمق ولا يتعدى ذلك ، إنها ثورة والثورة لا بد أن تفرض أهدافها بكل شجاعة وصرامة وحكمة كذلك..

بالمناسبة ، للنهدين جاذبية –كما قيل – والله أعلم ، غير ان النهدين المرجو الزحف نحوهما قد يملكان جاذبيه من نوع آخر ، إنها جاذبية نحو فداء الوطن ، نحو بناء دولة مدنية ، نحو المجد الأزلي ، لا تزول لذلته بزوال المؤثر بل تمتد لتصير جبالا نهدية تتراءى للناس والملائكة أجمعين... الزحف الزحف يا شباب ...










الجمعة، 24 يونيو 2011

أيها الزُكام : رفقا فإني ضعيف!!



أيها الزُكام : رفقا فإني ضعيف!!


تحية طيبة مباركة تلقيتُها من مرض "عارض" هو الزكام ، كان رفيقا حين التقاني أول مرة فعلم من ابتسامتي القروية الأرجوانيه أني رفيقٌ أتقبل هدايا الزمان كأني ملكٌ قد خَبِرَ الحياة بحلوها ومرها ، أخذت تُقبلني وكأن هجرنا كان منذ زمن بعيدِ الأمد ، هي كالأم المتلهفة لتقبيل ولدها البسيط ، وهي كعاشقةٍ طال فراقُ حبيبِها لها فرأته في ليلة قدر فأخذت تأخذ منه ما فقدته طيلة فترة من الزمن...


أيها الزكام ، قد هالني المطلع فرأيتُ بساطتك تدك محاصني لتجعلَ مني قشةً في مهبِ الريح ، كهواءٍ لا يثبتُ على حالٍ ، كغُصنِ شجرةٍ تأخذُه الريحُ أينما شاءت ، كطفلٍ مرفهٍ تستجديه الألعابُ من أولِ نظرٍه فيُصِرُ على والديه أن يشتريا له ما يُريد ، أيتها الزائرة المتواضعة أسألك الرفق فإن عينايَ قد أصبحتا خبراً بعد أثر ، أصبحتا غارقتين لا تقويانِ على النظرِ والتلويحِ بالرضى لمن أقابِلُهم ، وأصبحتْ وجنتيَ ضامرتين كقمرٍ خفتَ نوره وأخذ منه الليل فترهل وغاب غياب المؤدب بكل هدوء ووقار.


أيها الزُكام ، لقد بددتِ حريتي فأصبحت مقيدا بعالمٍ نعيمُه نوم لا يطاق ، وجداران خمسه قد مللتُ النظر اليها ، و عالم مخنوق يأكل مني بكل حرية وأستعداء ، دعيني فقد أشتقت التألق والرواح والغدو ، أشتقت للناس وابتساماتهم ، حواراتهم ، نقاشاتهم ، أشتقت – لعمركِ – أن أذهب فاجد ربيع الأرض ينتشر في الأرجاء معلنا بزوغ شمس الرحمة والتآلف ، و نسمات المحبة تنطلق بين الأًصحاب تُقبل بساطتهم وتشوقهم لعمل الخير ونشر الأفكار العذبه البنفسجيه.


أيها الزكام ، ألا قد طال نهارُك فأعياني انتظارا ، وأشتد لسعُ نارك فرسمني على فراش مرضي شبحا آلمه طول المكوث ، و تناوبت علي أعبائك حتى غدوت معشوقا من قبل مطرحي الذي ملني ومللته بعد طول مقام. ها أنا أناديك بكلمات التضرع علَها تُلامس فيك ذرة رحمة فتستجيب ، وتخالط شغاف رأفة فيكِ فينكشف ما بي ، وإن الأمل لمعقود في نواصي خيرية الأشياء ولو كانت جمادة كالزكام ، هكذا ورد في ثنايا رواية " همس الجنون"....


لن أطيل فلقد أعياني المرض فلم أعد قادر على الإطناب ، ولقد شل قدرتي على التخيل فأصبحتُ ناعس القوى مشتت الأفكار ، تأخذني أفكاري حيث يستقر ألم "السُعلة" في أحشائي ولكأنه حجيم لا يُطاق ، لن أطيل فأني منقسمَ الطاقات ، مطروحا كالجبل العظيم الذي لم يعد قادرا على حمل نفسه ولم ينفعه شموخه الآخاذ...


أناشدك الله –أيها الزكام- فهو أرحم الراحمين ، أن ترحلي عني وتتركيني أصارع آلالامي الآخرى ، و أواجه مشاغلي التي أخذت من جسمي قسطها حين لم استطعْ أن أدفع عني الدين ، هو دين لكن ليس يُدفع بقطعات النقود بل بإستهلاك ما بقي من جسدي النحيل المنهك... أسألك بالله أن ترحمي ضعفي الذي لا يحس به أحد الا خشع قلبُه ، وفاضت عيناه ، وتملكت شآبيب الرحمات ذاته وأصبح إنسانا بقلب ملائكي ، و قطعة رحمة تأسر الألباب والعقول...


وبعد هذا ، إن لم استطع القيام فهو قدرٌ لن أرفض بعضه ، وحق لن أقف أمامه موقف المتبرم الساخط ، وألم لن أقابله بمزيد من الأنات والصرخات ، بل سأجعل منه تكرماتٍ إلاهية حتى تجعل مني إنسانا حقيقا ، تصفي عني الذنوب العالقه ، وتخلصني من الأدران المتعتقه ، وتهيئ مني خيرا ماشيا على الأرض لمساندة الفقراء وقضاياهم ، سأتزود من هذا القدر حتى أغدو أكثر قوة في قول الحق ، وأكثر مكابدة للوم القوم وصلفهم ، سأبتهل الى الله إبتهال العاجز أن يجعل من ضعفي قوة ، ومن ألمي سيمفونيات تُفرح الفقراء ، ومن إنطراحي على الفراش وقفات تأمل أخلص الى ذاتي فأنقيها ، وأعرف مكنون نفسي فأقومه على التقوى وحب الناس ، وأبعث فيَ مزيدا من الطموح .


إني محتاجٌ لدعائكم ، فدعاؤكم شفاعة الى الله استشفع بها حتى أتعافى مما آلمني ، هو شهادة مغلفة بالرحمة -منكم ايها الطيبون-  فترافق دعواتي المرسلة الى الرحمان فتبدو أكثر ضراعة وأكثر إلحاحا ، بدعائكم أزين مسألتي و أجعلها لائقة أنْ تذهب الى معارج السماء مقرونة بالرجاء حتى تُقبل من المنان...


اللهم أشفني وأشفِ مرضى المسلمين...

الخميس، 16 يونيو 2011

التُقيه عندما تُصبح مشروعا سياسيا!!

التُقيه عندما تُصبح مشروعا سياسيا!!

عبدالرحمن العسلي

الغموض خُلقٌ إنساني ينبُع من الفطرة التي جُبل عليها الإنسان ، قد ينطلق الغموض من حدود البراءه والسليقه الغير متكلفه وقد يُلتمس له بعض الأعذار ، لكن الأخطر عندما يكون الغموض ممنهجا و مُبيتا و ذا أهداف متعديه.


وقبل الخوض في متاهات هذا الموضوع ، هناك لمحة مهمة للغاية تتعلق بالبرمجة الخطية للكلمات داخل العقل البشري وهي أن العقل البشري يحفظ الكلمات على شكل (كودات) وشفرات يتم العقل البشري وخلاياه بترجمتها طبقا لعلاقات وإحداثيات محدده بدقه لهذه الكودات بحسب تركيباتها وكلمات السر فيها وبالتالي عندما تُنتقل الكلمات الى العقل البشري فتتحول الى صيغه كوديه وبالتالي يحجز مكانها في العقل بهذه الإحداثيات وعند استيراد الكلمات تتم مطابقتها مع الكود الموجود ويتم فهم الكلمات تبعا لهذه السلسله من العلاقات والترجمات وفك الشفرات.


المهم ، حورت بعض المصطلحات التي منذ سماعها – ومن الوهلة الأولى- يستطيع الإنسان إدراك خطورتها وجرم ارتكابها وكان هذا التحوير لهذه المصطلحات حتى تكون اقل وطأة على أذن السامع وبالتالي قد يتقبلها وتبعاتها الى حد ما ، واستطرادا ، ورد في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن في آخر الزمان يستحلون الخمر ويسمونه بغير اسمه وهذا ما يؤكد منهجية تحوير الأسماء بُغية جذب أكثر الناس لتأييد مكنون هذه الفكره الخبيثه.


وانطلاقا من ذلك ، تحورت معاني فكرة (التُقيه) وصارت تأخذ معانٍ جديده لا توحي بخطورة هذه الفكرة وهذا المصطلح فتنقلت بين الدبلوماسيه والسياسه وأخيرا درء الفتن ، والأخطر من هذا كله إتخاذ هذه الفكرة كأساس تعاملي يتبناه حزب الإصلاح المُغذي بأيديولوجيات دينيه وقبليه في آن واحد.


إن معنى التُقيه –في نظرهم- تعني أن تُتخذ كل القنوات الديموقراطيه والتعبيريه للوصول الى سدة الحكم ومن ثُم السيطرة بكل آلات الإرهاب الفكري التي تنطلق من الدين الذي يفهموه ، أي أن الوصول الى الهدف يتم عبر مراحل إحدى هذه المراحل هي مرحلة إستخدام (التُقيه).


ليس هذا من قبيل المبالغة او المناكفة بل من حقائق تفرض نفسها على أرض الواقع ، دعونا نعود قليلا ، يُحدثني عيبان الباشا أحد الأربعين الأوائل الذين قاموا بالثورة فيقول كنا في آوائل الثورة مع جمع من طلاب جامعة صنعاء وبعض (البساطين) فكنا نطارد ونحارب من قبل الأمن والبلاطجه وكان حينها الإصلاح يعارض هذه الثوره ويصفها بالحرف بأنها إثارة للفتن ، وبعد ما يُقارب الأسبوعين أي بعد هدوء الساحة وبداية تشكلها الحقيقي بسط الأصلاحيون وأتوا بعتادهم الممثل بالميكروفونات والمنصه الجاهزه وبشبابهم الموسومين ببطائق هي أشبه ما تكون بشفرة التعريف وتم تغيير كل الثوار الحقيقيين معتمدين بذلك على قوة المال وقوة التعبئه وحب السيطرة ومهارة استخدام (التُقيه).


قد أتفق أن هذه المواقف قد لا تكفي بأن تكون دليلا رصينا لتوجه القوم وصلفهم لكنها تحكي غموضا دفينا في تعاملهم مع الآخر ، هذا الغموض هو الإسم الحضاري لمصطلح (التُقيه) ، فبات الحزب بقياداته وقواعده مجرد حامٍ للثورة ووقودها ، وبالتالي عدم التعرض لأخطائهم بالنقد إنما هو من صميم الإنتصار للثورة العظيمه ، إن ذلك يعني تشقيقا للصف ، وتقديم ما ينبغي تأجيله ، والمشي عكس نظام الوقت الممتد ، هو يعني بالأحرى ضغائن لم يجد المنتقدون الا هذا الوقت لتصفيتها وبالتالي يتخذون هذه الأشياء كحجج وكأشياء إتقائيه للحيلولة دون تعرضهم للنقد وبالتالي يظهر موقفهم الموقف الكامل والخالي من العيوب ومن ثمة يضمنون تهيئة الجو للوصول الى الحكم وبعدها لكل أجل كتاب ، ولكل وقت رجاله وأفكاره وإستراتجياته.


ولا أخفيكم ، قد تنجح (التُقيه) وتوصل الى الغاية بطرق احترافيه ، وحال نجاح التقيه وتوصيلهم الى اهدافهم يكون التحدي اكبر ومعيقات صعبه للتخلص من هذه الحكم الإستبدادي الذي جاء عبر الخداع والتضليل والمكر (التُقيه) ومن السهولة بمكان ان يُصيغوا أهدافهم وملامح دولتهم الدينيه التي لم يُفصحوا عنها الا في مرات محدوده لغرض التذكير فحسب. 


ولتخليص ما يجري ، تم استخدام التُقيه عن طريق الأحزاب المدنية والدعوات نحو الدولة المدنية واظهار تقبل الآخر بجانب عدم مناقشة العقائد الجوهريه لديهم كتحكيم شرع الله ونشر الفضيله ولو بالقوة والسلطان ، والخوض في الإنتخابات التي هي بحسب تعبيرات قاداتهم (فتنة الدهيماء) حتى يصلوا الى الحكم وبعدها فسيتم الإفصاح عن كل المشاريع التي بدأنا نرى ملامح خطابها عبر المرجعية الأم (الزنداني) حين دعى الى إقامة خلافة إسلامية قد تنبأ بها أبطال الكونجرس والكرملين الروسي عام 2025.


من الصعب الإعتراف بكل هذا لأن التُقية تعني الغموض ، تعني الخداع والمكر والتضليل ، وهي كمرض الإيدز –الذي يدعون أنهم أخترعوا دواءه- لا تظهر الا حينما تُدمر الجسد والجهاز المناعي برمته وحينها فلا صوت يعلو فوق صوت المُرشد ، قد يُنكر الكثيرون حقيقة هذا الأمر لكنهم بكل تأكيد سيجدونه واقعا مُعاشا في يوم لا ينفع الندم.


هي دعوة أوجهها صادقة –غير متعصب- الى المجتمع أن يحذر لأن الخطر داهم ، والمصيبة ستكون عظيمه ، فبناء الأوطان إنما يتم بالصدق والتجرد المطلق للحقيقة وبغير هاتين الحقيقتين يظل العمل للأوطان سرابا لا حقيقة له ، وكذلك تنامي ممارسة ثقافة (التُقيه) ستكون القشة التي تقصم ظهر البعير إن لم يُحسن المجتمع التصدي لها لا قدر الله.

الأربعاء، 15 يونيو 2011

الزحف المقدس على صفحات الفيس بوك!!



الزحف المقدس على صفحات الفيس بوك!!


جميلٌ أن ينتقل الحراك الثقافي الى صفحات الفيس بوك ، فيتفاعل الناس ويعبرون عن آرائهم وقناعاتهم بطرق أكثر رُقي وصدق في المعاني ، والأجمل من ذلك أن يظل الناس محترمين لبعضهم البعض ، بعيدين عن الظغائن وسفاسف الأمور التي تزيد من الحقد في النفوس وتأجيج فتيل الصراع في الضمائر...


من الطبيعي جدا ان نختلف في وجهات النظر ، ومن الطبيعي جدا كذلك ان نتناقش ونتحاور بما يحفظ للكل حقه في الإنتماء في التعبير عن الرأي ، في دفاعه عن فكرته بشتى الطرق ، لكن ذلك لا يعني بتاتا أن نتعصب لفكرنا وان نحشد أقراننا لمساندة الفكره حتى يتم إغاضه الآخر ، حقا هذا ما يحدث من (معتنقي) الفكر الإيديولوجي وليس في الأمر ثمة مبالغه ...


من المحزن جدا ان الأمر بات أشبه بالتكتلات الفيسبوكيه على طريقة " الكتائب" المنظمه تنظيما دقيقا ، قد لا يجرؤ المرء ان يُشارك فكره قد تتناقض مع اتجاهات البعض فيتحول النقاش الى نقاش مارثوني وتتوالى ( الزحوفات) ، ربما  تكون منطلقة  من صميم الفكر الإيديولوجي الذي يسعى للدفاع عن الفكره والتجمهر حولها بما يشبه فكرة (كتائب انصار الفِكر) وبالتالي يجعلون الدفاع عن الفكره كنوع من انواع الجهاد المقدس الذي يؤجر فاعله ويُعد من الأعمال  العظيمه التي تُنجي صاحبها من أهوال الأمور.


قد يصعُب إيجاد تبرير منطقي لمثل هذه الممارسات البلهاء لكن أقل ما يُقال ان التعصب الأعمى والولاء الأخرق للفكره يدفع بالإنسان أن يحاول الدفاع عن فكرته وعدم السماح ولو من بعيد لأي احد ان يتناول هذه الفكره بشيئ من النقد او حتى الخوض الفكري فيها ، هو توجس من هولاء المؤلفة قلوبهم يظهر في تصرفاتهم وفي تعليقاتهم وحتى في تناولهم للقضايا...


زحوفات مقدسه تسعى الى الدفاع عن التوجه الذي يكون غالبا دينيا او حزبيا بطريقة عنيفة تعتمد على استراتيجية (الصدمه) حيث يحاول أبطال هذا الزحف إثناء من يخالفهم عن الخوض في مثل هكذا مواضيع عن طريق إلقاء اليأس وتكثيف الضغط عليه.


إننا بحاجة أن نُعيد صياغة طرقنا في الدفاع عن أفكارنا وتوجهاتنا ، وأن نثق بأن العنف لن يولد الا عنفا اكبر ، وان الرحمة والتواضع والرفق بالشيئ هو الوسيلة الناجعة لحل اي إشكال وللوصول الى نقاط مشتركه نستطيع من خلالها البناء لا الهدم ، والتكامل لا التبادل ، والتقدم لا التضعضع وراء اقوال ومشاحنات نحن في  غنى عنها في هذه المرحله.


آن الآن لعشاق الزحوفات المُقدسه ان يُدركوا ان الحوار وحده هو الكفيل بالوصول الى الحقائق المُجرده ، وأن ثقافة الحشد والضغط لن تُنتج خيرا وان بدا الأمر في بدايته غير ذلك ، عليهم ان يُدركوا ان العنف في الدفاع عن الفكره وفي الحوار شرٌ مستطير سيطال الكل ولكن بجرعات وبتوقيتات متتابعه فلن يسلم منه احد.


آن الآوان لعشاق الزحوفات المُقدسه أن يُدركوا أن الفكرة الصائبه الحقه لا تحتاج لمن يتعصب من اجلها بدعاوي التأييد والنصره فهي قوية بذاتها ، مُقنعة بنعنفوانها ، صريحه واضحة لا تحتاج الى تأويل او تبيين او تفسير ، تصل الى شغاف القلوب السليمه فتلبث هناك الى الأبد ، وتخالط العقول الصحيحه فتتطور وتؤتي أكلها على ارض الواقع ، هي كالمطر إن سقى الأرض الصالحه أخرج ثمارا طيبة مباركه ، وهي كالنور إن تبدى نفع الناس في مسيرهم وفي تحركاتهم ، وذلك نور الله يهدي به من يشاء...


آن الآوان لعشاق الزحوفات المقدسه أن يُدركوا ان المجتمع بحاجة الى ثانية تفكُر ، تعبٍ في نشر فكره ، مجهودٍ في اقناع الناس ، يحتاجون لمن يسمع لإحتياجاتهم ، لمشاركه همومهم وقضاياهم ، لمساعدتهم في حياتهم ومشروع مستقبل عيالهم ، المجتمع يحتاج لتكاتف القوى أيا كانت ، يحتاج لكل أنواع الزحوفات التي تقلل من معاناتهم ، وتضمن لهم حياة رغيدة ومستقبل مشرق لأولادهم.


حان وقت الزحف ولكن لمناقشة قضايا المجتمع والإنسان البسيط ، وحان وقت الزحف نحو تبديد معاناتهم وتذليل الصعوبات التي تعيق سعادتهم ورخاءهم ، وحان وقت الزحف الإيجابي الذي لا ينصر تعصبا لفكرة او يعبث بالجهد لصالح نقاش لا يُقدم لا يؤخر...


اللهم هل بلغت اللهم فاشهد...



الثلاثاء، 14 يونيو 2011

الهدية!!

السلسله القصصيه

(2)

 الهدية!!

عبدالرحمن العسلي


ذات يوم أهديتُ إنسانة هدية ، إن لم تخُني الذاكره ، كانت كُتيبا صغيرا او قلما ، ببساطتها – أي الهديه- لم تتعدَ أن تكون مُجرد هديه لا تعني سوى عربون احترام وتبادل لمكنونات التقدير فحسب ، ونسيتها أنا كعادتي ، بصراحه هي عادةٌ ورثتها عن امي وهي أن أنسى الأشياء ، وهي عادة كذلك ورثتها عن الدي وهي عدم تقدير هذه الأشياء الثانويه بنظره وإعطائها حقها.. حسنا ، لم أكن أُدرك في ذلك معنى الهدية سوى أنها وسيلة لنشر فكرة إقتنعت بصوابيتها فأهديتها الكتاب لتسفيد فحسب ، لم يكن وراء الأمر أي تضمينات عاطفية على الإطلاق ، فكما عودني أبي ، لا بد أن تنظر للعظائم الأمور وأترك عواطفها الى وقت سيحين بالرغم عنك..


تكالبت عليَ العظائم تلك فلم تترك مني شيئا الا وملئته بمصطلحات الجد والحزم كتلك التي نقرأها في كُتب القراءه والمحفوظات في المرحلة الثانويه الهدف ، الطموح ، بناء الذات ، استشراف المستقبل ، الكفاءه ، هموم الأمه ، مستقبل الوطن ، التعاون ، مساعدة المساكين ، كل هذه المعاني كانت حاضرة وليس سواها أثناء دراستي الجامعية بطول سنينها ومعاناتها ، لم يلتفت هذا الجسم النحيل لسوى هذه الصرخات التي كانت ثقيلة بمقتضاياتها وبمدلولاتها ، ولكأن القضايا الإنسانية برمتها مركونةٌ على كاهلي فلا أحدٌ غيري مسؤول عنها ، لم تبقَ مساحة لعوالم العاطفة الناشرة حنانها وجمالها وعطفها في أنحاء متفرقه من الجسد النحيل ، كانت نداءات الحاجة تصرخ أن أجيب – أيها المُثقل- داعي الروح ، داعي الحُب ، داعي الطمأنينه الروحانيه ، تمردٌ عنيف لم اعهده من ذي قبل كان يرفض مثل هذه النداءات ، يكفر بحروفها وبعذوبة طربها ، كأنه قرر أن يُحارب سنن الكون في عقر داره ، ظل هذا التمردُ سيد الساحة حتى وقت متأخر من حياتي ، فالعقل المشبع بهموم القوم كان ينتصر فالوقت قد أخذ حقه في ترسيخ هذه المفاهيم منذ زمن ، منذ نعومة الأظافر...


لا معنى لزقزقة العصافير-في ذلك العالم- عند تفتح زهرات الصباح الباكر ، لا معنى لبزوغ الضوء بهدوء ووقار ليحكي للناس أن ترسلوا في أحلامكم ، في امانيكم ، في معاملاتكم مع بعضكم البعض ، الشمس تكسي الأرض حلة هي أشبه بنور الذهب لتبدوَ الأرضُ ومن عليها كعروس في عز شبابها ، جميلة الوجه ، وقورة المطلع ، وعميقة الفكر ، فتُزفَ لشاب متوسط الطول ، مُهاب الوقفه ، مبتسم الوجهه ، فصيح المعاني ، فترسم الجمال ولكن بأجمل الألوان ، وأفضل الخطوط ، وتناسق المواد ، فتُرى الأرض ومن عليها صنعة ربانية تبارك صانعها ، وتعالى في عُلاه.


ااااه كم من اهات الإعجاب والإندهاش تنبعث من فؤادي ، أيُ إبداع أودع في هذه الأرض ، وما أرقى إبداع الخالق عز في عُلاه ، زخات المطر ، جمال تساقطها ، لولبية قطراتها ، سيرها في خطوط متوازيه ، تعانقها مع التربه المشتاقه ، وعندما يُسدل الستار تتراى خطوطُ الشمس وقد استعدت لتبدو من مكان مُشرف على الأرض فتُرسل خطوط الإمداد الروحي ليتعانق و قلوب البسطاء من البشر ، فترسم البهجة والفرحة والسكينة الآهية في مُحياهم وعلى وجوههم الشاحبه ، فيتبادلون الرحمات بما يشبه الكرنفال الإلاهي الذي يشحن النفوس برحمة هي مُهداة من عنده لتعم البشرى والرحمة والتآلف ، فابداعٌ يعضُده إبداع ينتج عنهما إبداعٌ هو سرُ روعة الأرض وسموها ، ذلكم الإبداع هو الرحمة ...


الرحمة إحداثيات دقيقة في مكان إلآهي مكنون تحرسه فلسفات لا نُدركها نحن البشر لمحدودية عقولنا ، تنبعث حين تطغى روح السر التكويني على مادية الحاجة البنائيه ، فتكون الرحمة بمثابة مكافأة إلآهية تليق بمكانة المكافي نتيجةً لهذا التحول الراقي المصحوب بتغيرات صادقة حقيقية لأعماق الذات الغامضه ، فليس كل غامض يُرى لكنه يُدرك بترتيبات دقيقة يعلمها مُنشئُ هذا الغموض .


بين جمالية هذه المعاني ، كان النزوع لمهاجمتها بقسوة يأسرني بدراماتيكية رهيبه حتى فقط لا اعترف بها ، لإن الإعتراف بها يعني إفراغ شيئ من وقت أو جهد لهذه العواطف القاهره ، إنها تعني أن أترك للقلب حريته ليعبث بما تبقى لي من وقت كنت أدخره لقرأة كتاب فلسفي أو تفكر في ظاهرة طبيعية طالما كانت تؤرقني وهي ذبول الشمس بعد هيجانها في عز الظهيره ، رُبما لأني كنتُ أخشى أن أحتك مع الآخر فأصبح مقيدا ومحكوما بقواعده هو وبفلسفاته هو ، لكن السبب الأقوى هو خوف من مجهول يتربص بي كالحيرة القاتله ، والتشتت العنيف.


صراع بين القلب والعقل ، بين الرحمة والحزم ، بين الإنسان والطفل ، بين القوة والعنف ، بين الجمال والعناد ، بين الإتكاليه والإرتجاليه ، بين المغامره والتوجس من المستقبل ، بين مفاتيح المعرفه الخمسه التي تتكامل في معظم فتراتها ولا تتبادل : منْ ولماذا وكيف واين ومتى. كل سؤال كان يؤجج الحقد والحسد بين أقرانه ، ينشر بينهم الخوف من الآخر ، لم تعد سلسله من الأشياء المنطقية المرتبه بقدر ما هي حلقاته إنفصمت عُراها ، وأصبح كلُ سؤال يُحذر من الآخر ويمنعني بكل ما أوتي من قوة حتى لا اصل الى التالي.


مرت ما يُقارب الأربع سنوات ، عالم محصور أعرف حدوده بدقه ، تفاصيله القليله ، مواقيته وحساب شهوره ومناسباته ، لا عجب في ذلك فلم يكن في ذلك العالم سوى أنا وكتُبي المرصعة برسومات هي أشبه ما تكون بطلاسم خيالية جُعلت كُتبا فقط لإسقاط واجب ، ولإقناعنا بخدعة الأربع السنوات من التعليم حتى ننال شهادة ما وننال بجانبه لقبا يسبق اسماءنا ولا نسبقه نحن ، منفً لم يكن عالما او كبقية المنافي كان منفً خياليا خاليا سوى مني ومن كُتبي الطلاسميه ، لا شيئ تكسبه سوى ان تعشق الطلاسم وتكون قادرا على فك شفراتها وتأليف طلاسم جديده على خلفية الناجح هو القادر على تشكيل طلاسم جديده معقده من مجموعة من الطلاسم البدائيه السهله. 


الهديه ، مرةً أُخرى ، كانت كالسحر الزاحف لكن ببراءه ، كأنسام العبير الأنيق ، كتسامي الفكره الخالده ، كعنفوان بساطة الفقير الواثق من نفسه ، كضحكة الطالب المحزون في ليلة إختبار ، كانت كشوق البحر للزحف الى ما وراء حدوده ، يحاول كالطفل ان يتحرك ، أن يمشي ، أن يُغادر سجنه الذي هو قابعٌ فيه منذ زمن ، كانت تلك الهديه عربونُ شفقة جاءت نتاجا لبساطةٍ لم أكن أعيها ، كنت حينذاك غارقا في عالمي الخاص ، هي صدفة تعتقت مع مرور الزمن فأصبحت حقيقة ملئ السمع والبصر ، خالصة كخلوص الطفل البريء من الكذب والنفاق والخداع ، صادقة كصدق الحُب الأزلي ، كريمةً ككرم الإنسان اليمني البسيط ، نقيةٌ كنقاء طالب مُبتعث لا يجد ما يأكل قبل وصول مساعدته الماليه ، وطموحةٌ كطموح أمي التي ظلت تُكابد من أجلي طيلة عمرها.


قالتها بصوتها الرخم ، الرحيم ، بالأمس نظرت الى هديتك ، برغم بساطتها الا أني لا زلت أعشقها ، لا ادري ما الذي يدفعني لعشقها ، أما زلت تذكرها ؟! (تساءلت)..


يا الله ما هذه (الورطه) ... بعث في هذا السؤال موجات من التأنيب ومراجعة خلجات الإنسانية بداخلي .. حاولت الإلتفاف ، جردت كل معاني اللغه لكي اهرب ، لم أستطع ولكأنها كانت تحس بأني لم أعد أذكر أني أهديتها ذات يوم هديه... حاولت تغيير الموضوع ، ألتفت يمينا ويسار ، لم استطع الهرب مجددا ، إنهارت كلُ محاولاتي وباءت بالفشل ، حينها شعرتُ كم اني ضعيف ، كم أني كنتُ ديكتاتوريا عندما قررت أن امنع قلبي من أخذ حقوقه بل من المطالبة بها ، تلعثمتُ قليلا وكنتُ صريحا..


قلتُ : صدقيني لقد أكل الزمان مني وشرب ، هذا كان قبل اربع سنوات يا عزيزتي....


شعرتُ ولكأن الحُزن يحيط بها من كل مكان ، خاب أملها ، تستغيث بقطرات أمل لتُفسر لها ما يحدث ، لا أدري هل كانت مصدومة من صراحتي ام من نسياني للهدية ، وبين هذه التفاعلات الحزينه والإستغرابيه ، إستدركت قائلةً: لا عليك هديتك لا زالت موجودةً ، وبالمناسبة كنت أحدق فيها بالأمس ، وترسلت بحديثها حتى تستغل الوقت لتنتصر على ذاتها المهزمه ، وقالت بنبرة حزينةٍ مازحةً : ما دام انك نسيت هديتك فسأهديها لأحد غيرك ، ثم اتبعتها بضحكة متوسطه القهقه...


أيتها السماء مالي ولهذا العذاب ، ما اشد لسعه ، وما اقسى وطأته ، ماذا صنعتُ لأتجرع هذا العناء وهذه المكابده ، حقا لا استطيع أن أتحمل أكثر ، أشعر وأن كل من حولي ينظر اليَ بنظرات الرحمه ، يعاتبني بنظراته فيقتلني أكثر ، يُجردني من إنسانيتي المزعومه ، تذكرت حينها مشهدا كنتُ قد قرأته في رواية دعني أهرب لفريد هيتشكوك عن الرجل الذي ظل يتوسل للمراءة حتى قُتل بسببها لكن ذلك لم يُسعفه أن يحصل على شيئ من حبها لتنازله عن مبدئه ، قلت لا فرق فكلانا متعصبين ، هو اسرف في التقرب وانا أسرفت في الإعراض...


إعذريني ايتها المراءة الطيبه ، لقد نسيت ، سأحاول أن اتذكر فإن فعلت فهي إذا ومضات أمل لإستعادة ما حاولتُ إنكاره منذ حين ، وإن لم أفعل فأتقدم باعتذاري الشديد لكِ ، أعتذارٌ هو ملكك أنت ولا أحدٌ سواك ...


قالت بصوتٍ خافت –وكانت منصفه- يا عزيزي من ينسى هديته ينسى ما دون ذلك ، سأحتفظ بهديتك إكراما لك ، ولن أُهديها لأحد ، لكني أنصحك في المرة المُقبله ، إذا قررت أن تهديَ شيئا فتأكد أنك لن تنساها ، فقيمة الهديه بتقديرك لمن تهدي اليه ، وقيمة الهديه بمدى تذكرك لها ، راجع هدية الرحمان التي في قلبك ، هي تحتاج أن ترعاها ، إهمالك لهدية الرحمان – الحُب- معناه انك تنازلت عن بعض من إنسانيتك ، بعض من سموك ، الإنسان منظومة متكامله من الأهداف من الأحاسيس من التفاعل مع الآخر ، الإنسان إن لم يُحافظ على توازنه وتفاعله مع الآخر يفقد بريقه ، ويصبح غموضا ولكن بصيغة إنسان ، يصبح مجهولا في عالم مليئ بالمعارف ، يصبح قطعة متحركة لا تفقه سوى التحرك ولا غير...


واستطردت قائلة : ياهديتي كنتُ ذات يوم أرى فيك هدية الله تكبر وتتألق لكنك لم تكن تراها أنت ، أشكرك على لحظات جعلتني أقدر هدية الله ، ولن أبخل عليك بنصيحه ، إذا ما رأيت هدية الله بذاتك فحينها أنت إنسانٌ فقط حينها أنت إنسان...



الاثنين، 13 يونيو 2011

معنى أن تكون ناصريا!!

معنى أن تكون ناصريا!!

الجدلُ الفلسفي  الذي لم يُحسم بعد حول من يصنع الآخر ، هل الإنسان يصنع الأفكار أم الأفكار تصنع الإنسان ، ويبدو الجدل منطقيا لاسيما أن الأفكار هي من تُحرك الإنسان فتصنع منه مجتمعا وكيانا قويا مُبدعا يتطلع للحرية والكرامة والعدالة الإنسانية الشاملة ، وبالمقابل يبدو أن الطرف الآخر صحيحا إذ ان الأنسان هو من يصنع الأفكار ، فلا أفكار بدون إنسان ولا إنسان بدون أفكار.

قد يبدو الأمر معقدا في قاعات وفضاءات التنظير إذ أن محاولات إثبات أي فرضية في هذه الجدل جدا للغاية ، وبالمثل يبدو الأمر أكثر صعوبةً وتعقيدا للتوفيق بين هذه العلاقة على أرض الواقع ، نعم صعبٌ تحقيقه في علم الفرضيات  والنتائج لكن ذلك لم يكن كذلك على أرض الواقع فقد تطوعت هذه العلاقة أمام الناصرية فكرا وإنسانا.

الناصرية عملت على التوفيق بين هذين العنصرين بشكل متوازن وبطريقة إحترافية فتعامل مفكروها ومنتسبوها على أن الإنسان لا بد أن يُحترم كقيمة ، وبالتالي خدمة هذه القيمة هي الهدف الوحيد ولا تهاون او تقديم تنازلات على الإطلاق ، فشرعوا في بناء الإنسان بناء قويا على كل الصُعد ، علميا وفكريا واقتصاديا وثقافيا ، فكان الإنسان هو القيمة الأثمن بين كل الحقائق ، هو أولى الأولويات وأرقى موجود ، والمستحق لكل الجهود التي تُبذل والطاقات التي تُستهلك.

لقد أفرزت هذه التوليفه مجتمعا مثقفا وطنيا من الطراز الأول وبدء اليمن يخطو خطواته الأولى نحو الدولة المدنية الحديثه وانتشرت المشاريع العملاقه آنذاك ، حياة هادئة مستقرة مفعمة بالنشاط وتأديه الأدوار المُناطه كلٌ في مكانه ، فتكاملت قوى المُجتمع في سنوات قلائل ، وبدا الخير والتطور يسري ويُرى على ارض الواقع حتى تم وأد هذا المشروع بقتل القائد الحمدي وتصفية ما تبقى من إخوانه وقادات الحزب ومفكريه .

هي فترة زمنيه محدوده بحدود السنن الكونيه ، رسمت من خلالها لوحة جميلة تحكي أن التكامل بين الإنسان والأفكار يُنتج حرية وعدلا وتقدما ورخاء للبلاد والعباد ، ولكأنها درسٌ إنساني ليُدرك الناس ان خدمة الناس وتغليب مصلحتهم أسمى من أي شيئ آخر ، فالإنسان هو القيمة الأسمى في كل الأوقات .

ومن هنا نلحظ ان الناصرية ليست محدودة بحدود الأديولوجيات المحصوره بثقافة إفعل ولا تفعل ، وليست مجرد فكره طائشه تجوب المكان وتعبث بالقواعد الأصيله والثوابت المُتعارف عليها ، وليست كذلك حركه منظمه مقتصره على بيانات ولجان مركزيه وتنظير أنيق ، إنها –وبلا فخر- سلسله متصله ، حلقاتُها مكونه من احترام الإنسان ، والتعليم ، والثقافه ، والإنصاف ، ومكارم الأخلاق المتعلقه بكرامة الإنسان وحياته الكريمه ، ومادةُ هذه السلسله العمل والإخلاص والتفاني والولاء المطلق للإنسان كقيمه فلا شرفٌ الإ باحترام الإنسان ، ولا نجاحٌ الإ بتذليل الصعاب أمامه.

حسنا ، الأفكار العظيمه لا يمكن إخفاؤها قسرا ، ومحاربتها بالعنف ، هي لا تنتهي بموت القادة او إغتيالهم ، هي تُعيد ترتيب نفسها بنفسها بفلسفات كونيه رهيبه ، ها نحن اليوم نشهد عودة الشباب الناصريين المثقفين ، نرى نورها في وجوه الناس بتفاؤل وشوق ولهفه بعد ان حالوا بينها وبين الناس ، ذلك النور البهي الذي يطمح لدولة العدل والمساواه والتطور ، فهاهم اليوم زهرات هذا الفكر يتطلعون بشتى الوسائل فقد شرعوا سُفنهم للزحف نحو التعليم وتوعيه وتثقيف الناس حسب إملاءات فطرتهم النقيه ، وسنوا اقلامهم ينشدون العلم ولا غيره وإحترام الإنسان ومصالحه العامه.

تبارك من جعلكم كالأقمار في السماء يُرى نورها ، ويُهتدى بضوئها ، ويُقتدى بعلوها ، وأحسن من خلقكم مرفوعي الهامات ، وشامخي الهمم ، ومبتسمي الوجوه ، وسبحان من أعطاكم الفرصة لأن تكونوا للناس تقضون حوائجهم ، وتعلمون جاهلهم ، وتبنون الأوطان ، وتنشرون الفكر المتزن الغير متطرف ، ولا أخالني أن انسى القول بأن المسؤولية عظيمه تتناسب مع فرحة العوده للميدان ، والتكاتف التكاتف فالوطن يحتاج كل نطفة عرق ، وكل ثانية مهاره وجد واجتهاد وتفانِ.










السبت، 11 يونيو 2011

الغربال!!


الغربال!!

عشنا الثورةَ بلحظاتها المليئة بالأمل والزخم الثوري المتدفق من أرواح البُسطاء الذين شعروا بحضن الحريه الآوي لهم كالغرباء عندما يعودون ، وكالأطفال الخائفين من كوابيس النوم ، هو حضن وليس كالأحضان ، حُضن يُعيد للكرامة معناها ، وللأصالة الإنسانية المترسخة في أعماق الناس معانيها ، وتقهر القهر الذي ظل يتغلغل في النفوس طيلة سنوات لم يأفل نجمه ، ولم تخبت ناره ، ولم يهدأ حسيسُه، سنينا من المعانات بدعاوي المكر والخداع والتضليل ، و بآلات الخديعة ، تقسمت فيها ثقافات الناس وطبائعهم الراقية أخماسا ، فخمسٌ كان سببه الحاكم المُفدى ، وخمس لأبنائه المدللين المتعسكرين الجُدد ، وخُمس لأبناء الأخوه والأقربين من الأم ، وخمس لأزواج البنات والوصيفات ، وخمسٌ للأقربين عُصبة ، والخمس السادس أنشئ بقرار جُمهوري كان من نصيب الموالين من العسكر والأكاديمين وذوي الفضول للسيطره...

من الحقائق المُفجعة التي أظهرتها الثورة -بل عرت إنكارنا لهذه الحقائق- الفشل الذي ظل مخفيا عن كثير من شرائح المجتمع ، هذا الفشل هو فشلُ المؤسسات الدينيه والثقافية ، وفشل هاتين المؤسستين بعشره أضعاف ، كيف لا ونتائج هذا الفشل نتائج كارثية رأيناها بعيون الوجل ، وفؤاد المندهش ، وخيال المُنكر الذي اعيته الصدمه فصار لا يدري ايكذبُ ما يرى ام يُنكر ما يرى ، رأينا هذا الفشل جُثثا مُلقاةً في الشوارع تنتظر الكلاب لتنهش من لحمها ، تتوزع على قارعة الطريق كلوحات إرشادية تقول قد يكون الإنسان وحشا كاسرا إذا لم يتم تأهيله وتعليمه ، وقد يكون أكثر من حيوانٍ مفترسٍ بلا رحمة إذا لم يتم تعليمه وتخاذل المجتمع عن إدراك هذه الحقائق ، لوحاتٍ ارشاديةٍ بخطوط عريضة تُرى من على بعد فحروفها أجساد مُلقاه ، وحرُمات مُتعداه ، وأنفسٍ  مهدوره.

من الحقائق المُفجعه أننا حملنا القيم والأخلاق الإنسانيه النبيلة كحمل الحمير للكتب ، نُجيد التشدق بحروف هذه المعاني لكننا على أرض الواقع لا نتورع بعمل أي شيئ فقط لأنه يتناسب مع مصالحنا ، ترى ذلك جليا واضحا بعد أن أُدخلنا الغربال ، ناء المتكلمين هنا يعني الأفراد والأحزاب ، هيئات ومؤسسات ، تكتلات وكيانات ... لا حدود للإنتصار للنفس ، كل شيئ في ذلك مباح ، ما الذي يدفع الكلُ ليدفع الكلَ الى الإنجرار وراء العنف اللفظي ، الجسدي ، الإنتمائي ، صدقوني هو العنف بذاته ، هو الإنتصار للنفس بحجج وإن بدت كالثورة وعظمتها ، لا شيئ يزجرنا عن ممارسة هذا السلوك المُشين فكل شيئ أسس على جُرف هار ، مؤسساتنا الدينيه التي تتبنى على الأقل رسالة توصلها للمجتمع كل جمعة ، والمؤوسسات الثقافية التي تُرسل رسائلها صباح ومساء بوسائلها المنتشره كانتشار النار في الهشيم. 

ثقافة هشه ، أخلاق هشه ، تعصب أعمى ، إنصاف هش ، إحترام للدماء هش ، إسلام هش ، كل شيئ على ارض الواقع بعد أحداث البلطجه والحرق والقتل وإغتيالات الهواء ، وقصف مسجد فيه اكثر من 100 مصلٍ ، تدمير بيوت ، نزوح لمئات الأسر ، الإحتكار ومعاناة البسطاء ، كل ذلك يعني اننا فشلنا في إعداد الإنسان كإنسان ، فشلنا في ذلك فشلا ذريعا ، كل ذلك يعني أن تُقدم المؤسسات الدينية والثقافية للمحاكمة والمساءله ، وتغيير استراتيجياتها ، وتغير لغات تخاطبها وتعاملها مع الناس ، إن ذلك يعني إيجاد نظام واستراتيجات جديده تُعنْى ببناء الإنسان وإعادة تأهيله من جديد حتى يكون قادرا على إستيعاب معنى النفس البشريه ، تكريمها ، حقوقها ، ولا شيئ غير هذا فالغربال أثبت بما لا يدع مجالا للشك اننا مفلسون في هذا الجانب بكل ما تحمله معاني الإفلاس من معاني.

علمتنا الثورة أن إحترام المبادئ العامه والأساسية هو الحد الأدنى ليُعبر الإنسان عن انسانيته ، ومتى ما تعدى هذه الحدود فإن في إنسانية البشر شكٌ هو نتاج لخلل مورس من قبل جهات معينه في المجتمع ، وبالتالي لا تكتمل معاني الثورة الا بتشخيص هذا الخل فمحاسبة مرتكبيه فمعالجته بطريقة تضمن عدم تكرر هذا الخلل على الإطلاق ، المبادئ العامه تتلخص في إحترام النفس البشريه ، تقديم الحقيقه كما هي وعدم التهاون في نقلها كما هي ، احترام حق الآخر في الإنتماء ، حقوق الناس البسطاء محرمةُ لا يجب المساس بها كأمنهم وطعامهم ومعيشتهم .

نعم لقد كثُر الدرن والحقد داخل مجتمعنا فكان لا بد من غربال كالثورة تعري الفسده والمتنطعين وأرباب الفشل المؤسسي الرهيب ، هي فرصة لأن نُغربل أهدافنا و نُدرك معنى قيمة الإنسان ومدى خطورة الإهمال في بنائه البناء الصحيح المتوازن الذي لا يصنع منه وحشا مفترسا ، وقاتلا بلا رحمة ولا خوف ولا حياء...


الخميس، 9 يونيو 2011

حلقات :إغتيــــال الهــــواء!!

السلسله القصصيه

(1)

إغتيــــال الهــــواء!!

عبدالرحمن العسلي



وجود أشياء مختلفه في الحياة لا يعني أن لكل شيئ مختلف قانونُه الخاص وعالمة الفريد ، تفاعلاتها مع بعضها البعض يُفند هذا القول ووجودها في عالم واحد يدعم هذه الفرضيه تماما.. هذا ما كان مكتوبا على الصفحة الثالثه من كتاب قديم يحكي أساطير الشيطان والنار ..


أنا: (هُسفتين) من كأس الشاي الذي كان أمامي ، همممم حسنا وما هي تلك الأساطير يا جدي؟!


الجد: يا حفيدي ترسل في طلبك ، أخاف عليك ان تكون من الجاهلين ، الأمور ليست بتلك البساطه ، إن اصريت الا أن تسمعها فأحسن من جلستك ، واتكئ على ظهرك وأحضر سمعك وبصرك وتفكيرك ، هي يا بُني قواعد كتبت في مكان ما في اللوح المحفوظ اظنه في الجانب الأقصى من الصفحة الأولى وبرموز معينه... أعذرني يا بُني فقد أكل مني الدهر وشرب وبتُ أنسى أشياء هامه كهذه...


أنا: لا بأس عليك يا جدي... لا زلت وسيما قويا كما عهدتك منذ زمن (ابتسامه عريضه)..


الجد: تُجيد المجاملة كجزء من عبقريتك يا بُني.. المهم ، الأسطوره هذه تحكي تمرد الشيطان وتحديه للرب هو وأعوانه ، بدأت القصه عندما وجدت بعض العوالم في مكان ما في هذا العالم ، كان الهدوء يسود المكان ، الأمن والأمان ، القوانين المنصفه والعادله ملتزم بها كل سكان ذلك العالم ، احترام متبادل ، وتقديس للنفس البشريه ، الأخلاق تملأ النفوس والمكونات الإجتماعيه ، الإبتسامه والتكافل ، التعاون وحسن التعامل ، كل جوامع الرُقي البشري كان متداولا بين الناس ، استمرت هذه السلوكيات والأخلاقيات وبدأت تتأصل كقوانين وكممارسات فطريه جُبل عليها الأطفال والوافدون الجدد لذلك العالم ، كثُر الخير وعم الأمن ، وإزدهرت المملكه ، ذاع صيتهم بين الممالك ، وبدأ الناس يضربون بهم المثل ، وبعد قرون وفد إليهم غريب فزوجوه وكان يتأثر بأخلاقهم ويتعامل بنفس القوانيين.


الجد: مالي اراك (نعست) هل أُكمل الحكاية يا ولدي؟!!


انا : على العكس تماما ... أنا مستمتع تماما واصل ياجدي..


الجد: رُزق هذا القادم الغريب أولادا وحفده ، من بين أحفاده كان هناك ولد يُدعى (جِعنان) وكان له طموح غير محدود وكان ذكيا في تقمص الأدوار ، بالرغم من غبائه الظاهر للعيان في العلوم والثقافات العامه ، الا انه كان يُرافق النُخبه في تلك المملكه ، كان يحمل الأوسمه لقائد تلك المملكه ، كان يجلس معه ويصاحبه ، بالمناسبه ساعد (الزنبريق) بأن يكون من حواري هذا القائد تواضع القائد الجم وسمو أخلاقه فاستغله بطريقة ذكيه لكن بالجانب السلبي.


توطنت جُذور هذا الزنبريق وبدا يُنشئ علاقات مع من تشابهت قلوبهم وتفكيرهم ، بدا يُبدي لأتباعه حزما وإغراء بنفس الوقت ، وتمسكنا وولاء للقائد ، كان يتبع نظرية الخطوط المتوازيه ، أعترف لك يا بُني كان (الزنبريق) بارعا في تطبيق هذه الإستراتجيه ، فخطط مع أصحابه المقربين الذين كانوا ينقسمون ما بين خانع وطامع فقرروا قتل القائد ، وأوهموا أحدهم أنه سيكون القائد القادم فحدث ما اتفقوا عليه وقتلوا القائد العادل الرحيم ببشاعه وروجوا دعايات لتشويه سمعة القائد الذي كان محبوبا بين الناس ولكن الناس لم يصدقوها ، المهم يا بُني مرت سنه او يزيد قليلا حتى اجتمع على القائد الجديد الذي لم يكن محبوبا على الاطلاق رفقاء الامس فأطاحوا به واستمر هذا المسلسل من التعين والقتل ، وفي هذه الأثناء تراجعت المملكة فساءت أحوال الناس ، تغيرت أخلاقهم ، ثقافاتهم ، أُستبدلت معظم الأخلاق الفاضله بنقيضها ، تكررت مشاهد الدماء والقتل والإغتيالات على مستوى قادات المملكه .


أنا: يا جدي وماذا عمل أنصار القائد الطيب عندما قتلوه ؟! لماذا لم يتحركوا ويفطنوا للفكره (قلتها مستغربا)؟!!


الجد: يا ولدي (الزنبريق) قتل قادة اتباع هذا القائد الطيب ، لم يُبقِ أحدا ، كما قلتُ لك كان بارعا في السيطره وبنى له علاقات قويه مع قادة الجيش الذين كانوا يتطلعون للحكم.


الجد: وصل (الزنبريق) للحكم فكانة الطامة ، بدا الناس يتبرمون وبدأت رحلات المعاناه ، في هذه اللحظة فقط أدرك الناس في تلك المملكه معنى أن يكونوا تحت حكم جاهل ، بدأوا يستعدوا لمراحل تقعوها تكون طويلة من المعاناة والفقر والجوع والتشرد ، نعم يا حفيدي واليوم أراهم قد صدقوا في توقعاتهم وكما ترى يا زهرة عيني.


انا : وماذا حدث بعد يا جدي ، كما أنا متشوق لمعرفة التفاصيل...


الجد: حكم الرجل ، ودمر المملكه برمتها ، اخلاق الناس ، ثقافتهم ، مؤسساتهم ، طموحهم ، مشروعهم لمواصلة بناء الدولة القويه ، دمر كل شيئ جميل ، بدأ مرحلة جديده من عسكرة المملكة ونشر الشياطين مقابل حبس الملائكه ، تمرد شيطاني شاع البلاد والعباد وبدا احلال لمبادئه الشريره في ارجاء البلاد.

الجد: نعم يا ولد خاض حروبا عريضه في المملكه ، تمزقت الأواصر الإجتماعيه ، وشرع الحرب بين ارجاء المملكه ، انتشر الجوع ، الخوف ، الجهل ، والمذله ، واستحقار الآخرين.


انا : وهل كان قويا في حروبه يا جدي؟!

الجد: نعم يا ولدي فكان يستخدم المكر والخبث للإنقضاض على الخصم ... كان يملك قوة الدولة وكان يُسخر كل موارد المملكة لتسليح جيشه وتقويته ، يا بُني لم يبنِ سوى جيشا يملكه هو ، ويخدمه هو...


انا : وماذا حدث بعد هذا يا جدي؟


الجد: مر وقت طويل والناس يعانون ، يئنون ، يجأرون ، والحاكم لا يُبالي ، أكسبه غروره والجيش الذي كان يثق به قوة لتجاهل كل دعوات العقل ، كل المشاريع لإخراج المملكه مما كانت فيها ، ظل يُكابر ويُكابر ويخوض الحروب ويُهادن .. حتى أتت لحظة كانت بمثابة شرارة النار التي تُحرق اليأس والكبت والخنوع.....


(2)


إنطلق جمع من الفتيه المتعلمين وقرروا ان يقولوا كلمة لا لهذا الحاكم ، وتواترت هذه النيه مع نيات كانت قد حدثت في بلدات مجاوره ، فتكاتفت الفكر مع بعضها لتجعل من لا نهاية الظلم والتسلط نهاية ، ومن ترامي اطراف الكبر والغرور حدودا يعرفها اربابها ، بدأت هذه المجموعة فانتشر نور ضوئها الى كل بيت ، الى كل اسره ، الى كل فطره سليمه.


تداعى المؤيدون للحاكم فقالوا وفعلوا وتجرأوا ، كانت هذه هي المراحل الأولى لتمهيد ما سيأتي في ما بعد من استرخاص النفس البشريه. بدأت الحملة التشويهيه وكان الفتيه يقابلونها بكل شجاعه نابعه من ايمانهم بحقهم ، وبحرقتهم على سلب دولتهم القائمه قبل وقت ليس بالبعيد ، وهروبهم من الكوارث التي كانت تلاحقهم من الجوع والفقر والخوف والتشرد والمرض. يا بُني كانت شجاعتهم غير معهوده ، غير متوقعه حتى من قبل الحالكم نفسه ، إندهش الجميع وباتوا يُشكلون نواة تتجمع حولها الفطرات السليمه من ذوي البشر ، فكبرت النواة وتوسعت وصارت آية من آيات الله في البلده.


تفاصيل رهيبه حدثت في هذا التجمع ، إبداع لم يكن متوقع ، وترابط جماعي يعكس الألم والقهر الذي كان أبناء البلده يعانون منه ، كل فئات المُجتمع تساندت ، تشكل بصورة ابداعية لا مثيل لها ، يجمعُهم هدف واحد ، ويشد من أزرهم تذكرهم للمعاناه وتطلعهم لمستقبل أفضل ، كانا هذان الدافعان هما المحركان لتجمع هولاء الفتيه ويحفظ عليهما ترابطهما وصبرهما وإصرارهما.


يتبع.....