الصفحات

الأربعاء، 8 يونيو 2011

يومَ خُلقتْ تعز!!


يومَ خُلقتْ تعز!!

ملائكة السماء ينتقون أردية خضراء كانت موجوده في مكان خاص لا يُدعون اليه الا في أوقات خاصة ولمناسبات عظيمه ، بالمناسبه هذه المرة الأولى التي يُخير فيها الملائك -المنتقون- بإنتقاء اللون الأكثر جمالاً... تبدو رسمات الإستغراب بادية على مُحياهم ، يا تُرى ماذا هناك اليوم؟!! دارت هذه الأسئلة حتى استقروا الى ان ينتظروا حتى يأتي اليهم الأمر...

إنتقى الملائك المنتقون لهذه المهمه أفضل ما كان موجود من اللباس الخضراء ، كان إنتقاؤهم مدهشا للغايه ، رداء متوسط الطول ، أخضر اللون مُشرب بحُمره داكنه ، تكاد تأسر الألباب تناسقا مع بياض بشرتهم وإمتلاء إجسادهم النورانيه. كلُ شيئ كان يقول ان مهمة الليله مهمة استثنائيه فلقد استُنفرت القوى وأختيرت كتيبة من الملائكة هي من أفضل الموجودين ، لا أُخفيكم كان الجمع في تلك الليلة مترقبا ليعرف لماذا كلُ هذا الإستنفار وكل هذه الترتيبات العظيمه التي بإعتقادهم هي لشيئ عظيم يتناسب مع عظمة الترتيبات.

وفي لحظات إنتظار الإعلان عن البيان المُرتقب، تجولت كتيبة الملائكه تلك بين الجموع ، كانوا يُتراءون كشيئ مذهل لم يُعهد من ذي قبل ، الأنظار متجهة إليهم ، نظرات الإعجاب والغبطه والدهشه ، إنتشت تلك الكتيبه زهوا وفخرا وظلت ألسنتُهم تلهج بذكر الله امتنانا على هذا الشرف ، يذكرون الله بمحامد لم يعهدوها من قبل ، فاضت الرحمات على كل موجود في تلك الليله ، الكل منتشي مبتسم مرحوم فرح ، أخذت جولتهم تلك بضع دقائق بحساباتهم الخاصه ، صلوا ركعتين وليست كالركعات ، هي ركعات بطعم خاص إستعدادا لتحمل شرف المهمه  التي كانت كل المُعطيات تقول انها مهمة إستثنائيه ، مهمة حازت كل الشرف والتكريم.

تُلي البيان الإلاهي الذي هو شفرات لا يفهمُها الا المُكلف ، لكن مما تبين بعد ذلك هو ثلاثة أشياء: المكان ، المهمه ، العلامات. المكان هو اليمن ، المهمة هي إلقاء نفخة إلاهية خاصة الى مكان لم يُسمى بعد آنذاك عُرف فيما بعد أنه تعز ، العلامات لم يتكَشف منها سوى بعض الأوصاف كــ"ترقيق الراء" ، الأسنان المنقطة بالسواد، وشجرهم المُقدس الذي سُمي في ما بعد بـــ(الشُقر). بطبيعة الحال هي أشياء متداخلة لكنهم في عالمهم يفهمونها بطريقة ما ، فلكل عالم طرائقه في التخاطب وفك شفرات الكلام...

عمت الفرحة أرجاء السماوات في تلك الليلة ، تعالت أصوات التكبير والتهليل والتسبيح بطريقة تبعث على الإبداع من عذوبة الإصوات وتوحدها ولذه سماعها ، هي أشبه اليوم بالمقطوعات الموسيقة الراقية ، لكن فيها تناغما رهيبا حتى كادت أرجاء السماوات ان تنفطر لها ، محتفلين ولا أعظم –بالنسبة لهم- من الإحتفال بهذه الطريقة إذ أنها جزء من طبيعتهم التي يمارسونها صباح مساء فباتوا مغرمين بها لا ينفكون من الاستماع بها بُكرة وأصيلا.

يوم إستثنائي عاشه أهل تلك الديار ، ولم يكن الأمر مختلفا في أرجاء الأرض إلا أن طريقة الإحتفال والإحتفاء بهذا الشرف كانت بشكل آخر عهده سكان الأرض في تلك اللحظة الزمنيه المميزه، لحظة تكوين المدن حسب أهميتها و جمالها ، فكانت الأفراح تنتشر على بشكل إبداعي ويختلف إعتمادا على المدينه المُنشأة تكريما وإحتفاءَ... 

نسمات الهواء ، اصوات البلابل ، ندى الزهر ، أمزان السماء ، أريج العطور ، هيبات الجبال ، وصفاء القفاري واتساعها ، كل هذه الأشياء كانت تتنافس في الإحتفال وبطرقٍ مبتكرة حتى تعبر عن مدى بهجتها وفرحها بالآوامر الألاهية الصادره ، وكان الإحتفاء في أوجه في تلك الليلة إذ ان الدور كان لإنشاء مدينة ستُسمى (تعز) ، تعز فقط ، تعز التي لا تقبل أي زيادة او صفة تلحق بها ، فهي من الكمال النسبي بمكان لأن تكون شاملة لمعاني الجمال والروعة والسمو والتفاني والطيبة وكل معاني المجد.. تذكروا ، انها تعز فحسب.

تشكلت تعز ، المكان والإنسان ، برعت في أشياء كثيره على مر العُصور ، أبدعت في كل شيئ، لكن كل القرائن تقول ان سر التكريم التي حظيت به كان فقط لسبب واحد ، لإقترانها بالعلم والثقافه ، فتبددت الدهشه والإستغراب بعد حين فالعلم له مكانته عند العليم ، والثقافة هي أساس التوازن في الحياة وإقامة الخلافة الإنسانيه في الأرض ، فتثبتت القاعده أن في خفايا كل فعل إلاهي حكمة لا تتجلى للعقل البشري الا بعد مراحل طويلة من الوقت والإستغراق في التفكير والتأمل المبني على الأحداث المُباشره..

(2)

بعد مرور الالآف السنين ، حُور إسم تعز فأصبحت الحالمة ، وكأن تعز لا تكفي أن تكون تعز ، وكأن تعز تحتاج ان تكون حالمة حتى يُضفى عليها شيئٌ من الجمال والحُسن ، تحورات كبيره حدثت ، تدنيس للتأريخ ، تهميش للواقع ، غَسْلٌ لمكامن الحُسن التي انتشرت على وجهها ، باتت لا تُعرف الا أنها خانعة وخاضعه وجبانه ، تداعت عليها كلُ الثقافات كما تتداعى الأكلة الى قصعتها وباتت بعد سنين عديده أثرا بعد عين من ناحية ثقافيه تأريخية مؤثرة في المحيط الحضاري .. ياللعجب ، بات كلُ شيئ فيها مطمور غير معروف ، ولم يُعَلَم أطفالُ المدارس من هي تعز ... اختلط عليهم الفهم ، اصبحوا كالجاهل العالِم ، والناقد الجاهل ، والمتعدي الشجاع عند تناولهم لهذه القيمة التأريخيه العظيمه..

فاصل:

قرأت تعليقا لإحدى هواة (الفيس بوك) كتبته بطريقة الشعر النثري ، فهالني ما ذكرتْ ، وشاب شعر رأسي لثقافة القوم ، تداركتُ نفسي فعذرتُها ، وما هي الا سلسلة من التجهيل الذي مورس وبأيدي خبيثه طائفيه حاقده لدثر معنى تعز الثقافي الجمالي التأريخي المتأصل..

كتبتْ هذه الكلمات :
عذراً أيتها الحالمه
قالوا عنك مسالمه

عذرا يا ابن الحالمه
نظرتي كانت ظالمه

أبقاك ربي سالمه
من كل يد غاشمه

قولوا لكل بلطجي ... تعز على دفنك عازمه


هذه الطامة الثقافية الكُبرى أن لا يعرف اليمنييون تأريخ محافظاتهم ، وموروثهم الثقافي سواء في محافظة تعز او غيرها ، وهذا من المُحزن فعلا أن يحدث وخاصة للطبقة المثقفة في المُجتمع ، كم ينتابُ الإنسانَ الحُزنُ عندما يمتلك مخزونا ثقافيا وحضاريا ولكن لا يُقدره حق قدره ويكون كما قيل جوهرة بيد فحام... فلنعد لتعز هيبتها ومكانتها الثقافيه ، ولنعد لكل محافظة قدرها الثقافي والحضاري ولا نتجاهل كل هذا الابداع الإلاهي المصبوب على ارضنا اليمنيه بطولها وعرضها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق