الصفحات

الخميس، 16 يونيو 2011

التُقيه عندما تُصبح مشروعا سياسيا!!

التُقيه عندما تُصبح مشروعا سياسيا!!

عبدالرحمن العسلي

الغموض خُلقٌ إنساني ينبُع من الفطرة التي جُبل عليها الإنسان ، قد ينطلق الغموض من حدود البراءه والسليقه الغير متكلفه وقد يُلتمس له بعض الأعذار ، لكن الأخطر عندما يكون الغموض ممنهجا و مُبيتا و ذا أهداف متعديه.


وقبل الخوض في متاهات هذا الموضوع ، هناك لمحة مهمة للغاية تتعلق بالبرمجة الخطية للكلمات داخل العقل البشري وهي أن العقل البشري يحفظ الكلمات على شكل (كودات) وشفرات يتم العقل البشري وخلاياه بترجمتها طبقا لعلاقات وإحداثيات محدده بدقه لهذه الكودات بحسب تركيباتها وكلمات السر فيها وبالتالي عندما تُنتقل الكلمات الى العقل البشري فتتحول الى صيغه كوديه وبالتالي يحجز مكانها في العقل بهذه الإحداثيات وعند استيراد الكلمات تتم مطابقتها مع الكود الموجود ويتم فهم الكلمات تبعا لهذه السلسله من العلاقات والترجمات وفك الشفرات.


المهم ، حورت بعض المصطلحات التي منذ سماعها – ومن الوهلة الأولى- يستطيع الإنسان إدراك خطورتها وجرم ارتكابها وكان هذا التحوير لهذه المصطلحات حتى تكون اقل وطأة على أذن السامع وبالتالي قد يتقبلها وتبعاتها الى حد ما ، واستطرادا ، ورد في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن في آخر الزمان يستحلون الخمر ويسمونه بغير اسمه وهذا ما يؤكد منهجية تحوير الأسماء بُغية جذب أكثر الناس لتأييد مكنون هذه الفكره الخبيثه.


وانطلاقا من ذلك ، تحورت معاني فكرة (التُقيه) وصارت تأخذ معانٍ جديده لا توحي بخطورة هذه الفكرة وهذا المصطلح فتنقلت بين الدبلوماسيه والسياسه وأخيرا درء الفتن ، والأخطر من هذا كله إتخاذ هذه الفكرة كأساس تعاملي يتبناه حزب الإصلاح المُغذي بأيديولوجيات دينيه وقبليه في آن واحد.


إن معنى التُقيه –في نظرهم- تعني أن تُتخذ كل القنوات الديموقراطيه والتعبيريه للوصول الى سدة الحكم ومن ثُم السيطرة بكل آلات الإرهاب الفكري التي تنطلق من الدين الذي يفهموه ، أي أن الوصول الى الهدف يتم عبر مراحل إحدى هذه المراحل هي مرحلة إستخدام (التُقيه).


ليس هذا من قبيل المبالغة او المناكفة بل من حقائق تفرض نفسها على أرض الواقع ، دعونا نعود قليلا ، يُحدثني عيبان الباشا أحد الأربعين الأوائل الذين قاموا بالثورة فيقول كنا في آوائل الثورة مع جمع من طلاب جامعة صنعاء وبعض (البساطين) فكنا نطارد ونحارب من قبل الأمن والبلاطجه وكان حينها الإصلاح يعارض هذه الثوره ويصفها بالحرف بأنها إثارة للفتن ، وبعد ما يُقارب الأسبوعين أي بعد هدوء الساحة وبداية تشكلها الحقيقي بسط الأصلاحيون وأتوا بعتادهم الممثل بالميكروفونات والمنصه الجاهزه وبشبابهم الموسومين ببطائق هي أشبه ما تكون بشفرة التعريف وتم تغيير كل الثوار الحقيقيين معتمدين بذلك على قوة المال وقوة التعبئه وحب السيطرة ومهارة استخدام (التُقيه).


قد أتفق أن هذه المواقف قد لا تكفي بأن تكون دليلا رصينا لتوجه القوم وصلفهم لكنها تحكي غموضا دفينا في تعاملهم مع الآخر ، هذا الغموض هو الإسم الحضاري لمصطلح (التُقيه) ، فبات الحزب بقياداته وقواعده مجرد حامٍ للثورة ووقودها ، وبالتالي عدم التعرض لأخطائهم بالنقد إنما هو من صميم الإنتصار للثورة العظيمه ، إن ذلك يعني تشقيقا للصف ، وتقديم ما ينبغي تأجيله ، والمشي عكس نظام الوقت الممتد ، هو يعني بالأحرى ضغائن لم يجد المنتقدون الا هذا الوقت لتصفيتها وبالتالي يتخذون هذه الأشياء كحجج وكأشياء إتقائيه للحيلولة دون تعرضهم للنقد وبالتالي يظهر موقفهم الموقف الكامل والخالي من العيوب ومن ثمة يضمنون تهيئة الجو للوصول الى الحكم وبعدها لكل أجل كتاب ، ولكل وقت رجاله وأفكاره وإستراتجياته.


ولا أخفيكم ، قد تنجح (التُقيه) وتوصل الى الغاية بطرق احترافيه ، وحال نجاح التقيه وتوصيلهم الى اهدافهم يكون التحدي اكبر ومعيقات صعبه للتخلص من هذه الحكم الإستبدادي الذي جاء عبر الخداع والتضليل والمكر (التُقيه) ومن السهولة بمكان ان يُصيغوا أهدافهم وملامح دولتهم الدينيه التي لم يُفصحوا عنها الا في مرات محدوده لغرض التذكير فحسب. 


ولتخليص ما يجري ، تم استخدام التُقيه عن طريق الأحزاب المدنية والدعوات نحو الدولة المدنية واظهار تقبل الآخر بجانب عدم مناقشة العقائد الجوهريه لديهم كتحكيم شرع الله ونشر الفضيله ولو بالقوة والسلطان ، والخوض في الإنتخابات التي هي بحسب تعبيرات قاداتهم (فتنة الدهيماء) حتى يصلوا الى الحكم وبعدها فسيتم الإفصاح عن كل المشاريع التي بدأنا نرى ملامح خطابها عبر المرجعية الأم (الزنداني) حين دعى الى إقامة خلافة إسلامية قد تنبأ بها أبطال الكونجرس والكرملين الروسي عام 2025.


من الصعب الإعتراف بكل هذا لأن التُقية تعني الغموض ، تعني الخداع والمكر والتضليل ، وهي كمرض الإيدز –الذي يدعون أنهم أخترعوا دواءه- لا تظهر الا حينما تُدمر الجسد والجهاز المناعي برمته وحينها فلا صوت يعلو فوق صوت المُرشد ، قد يُنكر الكثيرون حقيقة هذا الأمر لكنهم بكل تأكيد سيجدونه واقعا مُعاشا في يوم لا ينفع الندم.


هي دعوة أوجهها صادقة –غير متعصب- الى المجتمع أن يحذر لأن الخطر داهم ، والمصيبة ستكون عظيمه ، فبناء الأوطان إنما يتم بالصدق والتجرد المطلق للحقيقة وبغير هاتين الحقيقتين يظل العمل للأوطان سرابا لا حقيقة له ، وكذلك تنامي ممارسة ثقافة (التُقيه) ستكون القشة التي تقصم ظهر البعير إن لم يُحسن المجتمع التصدي لها لا قدر الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق