الصفحات

السبت، 11 يونيو 2011

الغربال!!


الغربال!!

عشنا الثورةَ بلحظاتها المليئة بالأمل والزخم الثوري المتدفق من أرواح البُسطاء الذين شعروا بحضن الحريه الآوي لهم كالغرباء عندما يعودون ، وكالأطفال الخائفين من كوابيس النوم ، هو حضن وليس كالأحضان ، حُضن يُعيد للكرامة معناها ، وللأصالة الإنسانية المترسخة في أعماق الناس معانيها ، وتقهر القهر الذي ظل يتغلغل في النفوس طيلة سنوات لم يأفل نجمه ، ولم تخبت ناره ، ولم يهدأ حسيسُه، سنينا من المعانات بدعاوي المكر والخداع والتضليل ، و بآلات الخديعة ، تقسمت فيها ثقافات الناس وطبائعهم الراقية أخماسا ، فخمسٌ كان سببه الحاكم المُفدى ، وخمس لأبنائه المدللين المتعسكرين الجُدد ، وخُمس لأبناء الأخوه والأقربين من الأم ، وخمس لأزواج البنات والوصيفات ، وخمسٌ للأقربين عُصبة ، والخمس السادس أنشئ بقرار جُمهوري كان من نصيب الموالين من العسكر والأكاديمين وذوي الفضول للسيطره...

من الحقائق المُفجعة التي أظهرتها الثورة -بل عرت إنكارنا لهذه الحقائق- الفشل الذي ظل مخفيا عن كثير من شرائح المجتمع ، هذا الفشل هو فشلُ المؤسسات الدينيه والثقافية ، وفشل هاتين المؤسستين بعشره أضعاف ، كيف لا ونتائج هذا الفشل نتائج كارثية رأيناها بعيون الوجل ، وفؤاد المندهش ، وخيال المُنكر الذي اعيته الصدمه فصار لا يدري ايكذبُ ما يرى ام يُنكر ما يرى ، رأينا هذا الفشل جُثثا مُلقاةً في الشوارع تنتظر الكلاب لتنهش من لحمها ، تتوزع على قارعة الطريق كلوحات إرشادية تقول قد يكون الإنسان وحشا كاسرا إذا لم يتم تأهيله وتعليمه ، وقد يكون أكثر من حيوانٍ مفترسٍ بلا رحمة إذا لم يتم تعليمه وتخاذل المجتمع عن إدراك هذه الحقائق ، لوحاتٍ ارشاديةٍ بخطوط عريضة تُرى من على بعد فحروفها أجساد مُلقاه ، وحرُمات مُتعداه ، وأنفسٍ  مهدوره.

من الحقائق المُفجعه أننا حملنا القيم والأخلاق الإنسانيه النبيلة كحمل الحمير للكتب ، نُجيد التشدق بحروف هذه المعاني لكننا على أرض الواقع لا نتورع بعمل أي شيئ فقط لأنه يتناسب مع مصالحنا ، ترى ذلك جليا واضحا بعد أن أُدخلنا الغربال ، ناء المتكلمين هنا يعني الأفراد والأحزاب ، هيئات ومؤسسات ، تكتلات وكيانات ... لا حدود للإنتصار للنفس ، كل شيئ في ذلك مباح ، ما الذي يدفع الكلُ ليدفع الكلَ الى الإنجرار وراء العنف اللفظي ، الجسدي ، الإنتمائي ، صدقوني هو العنف بذاته ، هو الإنتصار للنفس بحجج وإن بدت كالثورة وعظمتها ، لا شيئ يزجرنا عن ممارسة هذا السلوك المُشين فكل شيئ أسس على جُرف هار ، مؤسساتنا الدينيه التي تتبنى على الأقل رسالة توصلها للمجتمع كل جمعة ، والمؤوسسات الثقافية التي تُرسل رسائلها صباح ومساء بوسائلها المنتشره كانتشار النار في الهشيم. 

ثقافة هشه ، أخلاق هشه ، تعصب أعمى ، إنصاف هش ، إحترام للدماء هش ، إسلام هش ، كل شيئ على ارض الواقع بعد أحداث البلطجه والحرق والقتل وإغتيالات الهواء ، وقصف مسجد فيه اكثر من 100 مصلٍ ، تدمير بيوت ، نزوح لمئات الأسر ، الإحتكار ومعاناة البسطاء ، كل ذلك يعني اننا فشلنا في إعداد الإنسان كإنسان ، فشلنا في ذلك فشلا ذريعا ، كل ذلك يعني أن تُقدم المؤسسات الدينية والثقافية للمحاكمة والمساءله ، وتغيير استراتيجياتها ، وتغير لغات تخاطبها وتعاملها مع الناس ، إن ذلك يعني إيجاد نظام واستراتيجات جديده تُعنْى ببناء الإنسان وإعادة تأهيله من جديد حتى يكون قادرا على إستيعاب معنى النفس البشريه ، تكريمها ، حقوقها ، ولا شيئ غير هذا فالغربال أثبت بما لا يدع مجالا للشك اننا مفلسون في هذا الجانب بكل ما تحمله معاني الإفلاس من معاني.

علمتنا الثورة أن إحترام المبادئ العامه والأساسية هو الحد الأدنى ليُعبر الإنسان عن انسانيته ، ومتى ما تعدى هذه الحدود فإن في إنسانية البشر شكٌ هو نتاج لخلل مورس من قبل جهات معينه في المجتمع ، وبالتالي لا تكتمل معاني الثورة الا بتشخيص هذا الخل فمحاسبة مرتكبيه فمعالجته بطريقة تضمن عدم تكرر هذا الخلل على الإطلاق ، المبادئ العامه تتلخص في إحترام النفس البشريه ، تقديم الحقيقه كما هي وعدم التهاون في نقلها كما هي ، احترام حق الآخر في الإنتماء ، حقوق الناس البسطاء محرمةُ لا يجب المساس بها كأمنهم وطعامهم ومعيشتهم .

نعم لقد كثُر الدرن والحقد داخل مجتمعنا فكان لا بد من غربال كالثورة تعري الفسده والمتنطعين وأرباب الفشل المؤسسي الرهيب ، هي فرصة لأن نُغربل أهدافنا و نُدرك معنى قيمة الإنسان ومدى خطورة الإهمال في بنائه البناء الصحيح المتوازن الذي لا يصنع منه وحشا مفترسا ، وقاتلا بلا رحمة ولا خوف ولا حياء...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق