الصفحات

الخميس، 16 ديسمبر 2010

ترجمات الكلمات وثقافه المجتمع

ان الادراك هو مرحله متقدمه بعد الاحساس وهو ترجمه المحسوسات الى اشياء مفهومه والخيال الى حقيقه والحلم الى علم. ومما لا شك فيه ان الاقتصار على مرحله الاحساس شئ لا طول منه ولا فائده فالحيوانات بطبيعتها تحس ولا تكاد تدرك وبعض المخلوقات قد تودي اعمالا وتقوم بوظائف من دون ادراك او وعي. ولعل من اهم وسائل الادراك لدى المخلوقات الراقيه هي وسيله اللغه اذ ان اللغه تعبر وتصور الفاظا تحمل رسائل وشفرات مختلفه يتم تحليلها في العقل البشري وعلى ضوءه تراه ينجح او يفشل ,يتقدم او يتاخر, يسمو كسمو الملائكه او ينحط كانحطاط الشياطيين.
واستنادا على المقدمه البسيطه فان تفاعل الانسان يعتمد اعتمادا كليا على المصطلحات التي قد حجزت لها مكانا في دماغ الانسان بمعان محدده وادراك محدد وترجمات محدده كذلك وهذا بدوره ادى الى تقليص المعاني والايحاءات الا محدوده لدى معظم البشر الذين لا ينمون عقولهم ولا يميلون الى المعرفه باصنافها. فعلى سبيل المثال فان كلمه وطن يتم ترجمتها في العقل البشري السوي على انه المكان الذي نشأنا منه وفيه وبه وهو اغلى مكان قد يوجد على سطح الارض مما يترتب عليه حب وولاء وهيام وخوف وتخطيط وتعب ومعاناه وتعلم وتحمل للمسؤوليه بشتى انواعها.
ومما يجدر بنا ان نشير اليه هنا ان الترجمه الدماغيه – ان جاز لنا القول- تتاثر تأثرا بالغا بسلوكيات وثقافه المجتمع الذي يعيش فيه الانسان ذلك ان كل مبداء وكل مشروع حياه وكل رساله تنشئ من جمله افكار وسلوكيات عمليه في المجتمع حيث ان التعريف البيولوجي للكلمه تتكون جزيئاته من التعريفات العمليه التي تسري في المجتمع اعتقادا وسلوكا وتداولا. اننا وبقوه نلمس هذا التعليل في كثير من المجتمعات التي تمارس سلوكيات هي في نظر المجتمعات الاخرى ضربا من الاجرام والتمادي فنجد الدول المتقدمه ترى ان عدم اعطاء الحريه والديموقراطيه للشعوب هو من الموبقات السبع للعلاقه البشريه البشريه وكذلك نرى في المقابل ان ارساء الحريه بالقوه والعنف هو الوجه الاخر للعمله السابقه.
ان المأساه العظمى والطامه الكبرى هي ان الموازيين اصبحت مختله والاشياء لا تفهم كما هي وان الكلمات اصبحت مطيه تقود الى الهوى والى السراب من دون ان ندرك. ان الموازيين المختله هي ان يصبح السراب حقيقه والصدق كذبا والعدل ظلما باختلاف الاساليب والمناهج والتعليلات مما يؤصل ثقافه مبنيه على اسس غير صحيحه ثقافه مركتزه على موازين مختله .
اننا نرى ان الفساد اصبح حقا بحجه انه لا توجد حقوق, والرشوه اصبحت حقا كذلك بحجه ان الحق لا يكفي, والمكايدات السياسيه اصبحت حقا مشروعا لانه لا مكان للديموقراطيه في اوساط الناس, والتدليس والكذب طريق معبد لكل من اراد ان يصل الى حقه. فنيجه لذلك استبدلت المبادئ والتشريعات الفطريه الى مبادئ اخرى نتجت من ثقافه ووضع خاطئ وما اسهل ان يستبدل الامر الصعب الثقيل بالامر السهل الهين فبدلا من المواجه والتصحيح والتخطيط والعمل الدوؤب ساقتنا انفسنا الاماره بالسوء لسلوك الطريق السهل الذي نرى السراب على بعد اميال من بدايته.
ومن ابجديات القول ان للغه والمصطلحات المندرجه في اطارها تاثيرا متفاوتا في تاصيل مبداء الموازين المختله وان اللفظ والكلمه بمعناها الحقيقي يودي الى وضع وموازين حقيقه اما اذا استخدم اللفظ والكلمه الحقيقيه بغير معناه فانها بالطبع تودي الى وضع وموازين مختله وبالتالي فان رسوخ القيم والاخلاق والمبادئ الفاضله في العقل يتساوى مع اصدار الكلمات وقد فقدت روحها ومعناها الاصلي اذ انها يلتقيان في نقطه اشتراك وهي ان الهدف المرجو منها لا يتحقق وقد استخدما استخداما لم يوجدا من اجله.
لقد ترتب على هذه الموازيين المختله عدم محاسبه النفس على مستويات الافراد والجماعات والمؤسسات والمجتمع والدوله والامه وبالتالي فلا يوجد لدينا اهداف ومشروعات على المدى القصير او البعيد على حد سواء فاصبحنا توابع لا متبوعين ومستوردين لا مصدرين ومحتلين لا فاتحين.
اننا -في وضعنا الحالي- محتاجون الى ان نصدق مع انفسنا وان نفهم كل المبادئ كما هي من غير هوى او تحريف . اننا نحتاج ان نفهم ان الصدق هو مطابقه الظاهر للباطن وان نفهمه على هذا النحو على كل الصعد بكل مستوياته الفردي والجماعي اذا ما اردنا ان نتدارك انفسنا من اللهاث وراء سراب لا حقيقه له

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق