الصفحات

الأربعاء، 6 يوليو 2011

العصــــــــيد : عشقي الأزلي!!


في ذكـــــراها الشــــــهري....


العصــــــــيد : عشقي الأزلي!!



ليت (العصيدُ) حُروفا لكنتُ كونتها كلمات ،  ولأشغلتُ أوقاتي بتلحينها وغنائها ، و ولأسمعتُ العالم سحر ترنيماتها ، لكنها للأسف أبعد شيء عن متناولي فصارت مُنية لا تتحقق ، وحوريةَ جنان مهرُها غالٍ ، وترتيبات أكلها شاقة قاصمة لعرش الحياء في مملكتي ، هي أبعد من مجرد كلمة تُنسج ، أو فكرة تؤلف ، او حتى لحنٍ يُصاغ ، هي حلمٌ لا يتحقق الا بلليلة قدرٍ عز علينا أن نجد خطابها ، وتوارت خلف أستار إنشغال المتحسسين أُمنيات البسطاء والغرباء ، وتبددت قسمات بهائها بين لوعة تأججت في النفس نيرانها ، وبين حياء يمنع المرءَ طلبَ شربةِ ماءٍ ولو كان على أعتاب الموت وسكراته .


أيتها (العصيد) لقد حارت حقائق الأمور الجوهرية من عشقنا الغير متكافئ ، الغير مُبرر ، الغير مُنصف ، ولقد تجاذَبتني خيرات الكون نحوها فرفضتُ ، لكنك سلبتِ رغبتي المتمرده فصرتُ لك جُنديا يُجيد الإخلاص ، وأصبحتِ أمنية من الصعب تحقيقها في عالم هذا ، العالمِ المُقيد بمفاتيح الطلب وإراقة ماء الوجه وإغتيال الحياء الرؤوف...


نعم أدركُ أن الإنسان قطعةَ إبداعٍ متحركة ، فكلُ شيء فيه يقول ذلك ، وأنا اليوم أشد إدراكا أن إبداع الإنسانِ في غموضه وتناقضه ، قد تكون حكايتي مع (العصيد) إحدى الدلائل الدامغات لهذه الحقائق ، فما الذي جعلني أعشق (العصيد) مع علمي الشديد الحذر أنني بعيدا عن أمي سيكون الأمر من المستحيل الإجتماع مع (العصيد) على مآئدة واحدة ، لكنه الغموض الغارس قوانينه في أعمال التكوين البشري الإنساني الإبداعي ، فالحياة تسير وفق مدبر وحكيم ليست عبثية تحتكم بالقوانين الروتينية الرتيبه...


ربما تكون قصتي أشبه بقصة الراهب هيبا (الباحث عن الحقيقة) مع الشجرة الحانية ، التي ترنم بوصف حكايته معها حينما قال : "عند المرسى آويت الى ظل شجرة وحيدةٍ ، نحيلةٍ مثلي ، تتمايل أوراق أغصانها على حافة ترعةٍ هزيلة ، تأخذ مياها من النيل حين يعلو بفيضانه أيام الصيف" ، فشجرته تلك تُظله وتبعث فيه حنينا الى ماضيه والى ذكرياته المشبعة بالحب والرحمة والإبتسامه ، هي والله كما تتجلى (عصيدي) التي تُذكرني بوالدي ووالدتي الذين يزداد توهج نورهما كلما اقتربا وأشقائي الى مائدة تكون (العصيد) فيها  ذات القول الفصل ، والعروس الأجمل ، والفيروزة الأنيقة... هو تأريخ ثقافي يصلنا بترتيبات خالدة بتراثنا الأثري المرتبط بتركيباتنا الجينيه عبر نافذة مستطيلة عناصرُها (دست العصيد) و (الحقين البلدي) و (الحَلْقة البريه) و (الوزف ) المخلوط بالبسباس الأخضر ....


قد تتراءى لي (العصيد) كابتسامة عريضة منطلقة من شفاه البسطاء المحرومين ، العظماء بصبرهم وتسامحهم وحُبهم للجمال وللحياة ، قد تُمثل لي روعة ذلك الفلاح الحامل لمعولة بحثا عن لُقمة العيش ، متعلقا بتربة أرضه التي قد نسج حكايات الحُب بينه وبينها فلا يستطيع العيش من دون إرواءِ عطشها ، وتزين وجهها بالزراعة والحرث ، هي تعني الكثير الكثير لمثلنا نحن –أبناء الفلاحين- فهي قوتنا الذي كنا نلجأ اليه وقت الشدائد ، وهي نصيرنا حين لا نجد ما نقتاتُ به...


صورة جدي(أحمد علي) المختزلة لخبرات السنين والممتلئة بنور وضاء كان نتاجا لخبرته العلمية في أربطة زبيد وحياته التربوية في تعليم الناس وانتهاء برعيه للإغنام على سفوح الجبال مصطحبا مسبحته المُرتبه ومصحفه المُعطر بعطره الخاص ، وصورة جدتي (زين) ذات الإبتسامة المُميزة والحزم المليئ بالحب والحنان ، وصورة جدتي الأخرى (فاطمة) ذات الحنان والقلب المُرفرف بحب الناس خيرهم وشرهم ، وجوه عمامتي وخولاتي ، كبار السن في قريتي الجميلة ، كل ذلك أحسن بأنه يُشاطرني همومي وأفراحي عندما أجلس لأُخَلِدَ حكايتي مع (العصيد) في المائدة التي نادرا ما باتت تجمعنُي بها الأيام  مؤخرا...


أتذكر الآن المراءة الصالحه التي علمت بحبي للعصيد فدعتني ذات مرة ، تغمرُني السعادة بعمق فقهِها وبأصالتها الفريدة ، فلا أملك الا أن أشكرها حق الشكر ، ولا أنسى كذلك أثنين من دكاترتنا الموقرين وزميلي المُقرب الى قلبي، هو تقليد -أعني الشُكر- تعودتُ عليه حين كانت تسافر أمي الى القرية وتدعني هناك فأذهب لآكل العصيد في بيت أقاربي وأعود لأشكرهم بلهفة وتقدير ، وهو شكرٌ خاص لأنه مُتعلق بشيء خاص ، يوجب عليَ التخلق بخواص الكلمات لأشكر كل من تسامى فوق سموه وحجز له مكانا خاصا في قلبي وفاءً (للعصيد) وتخليدا لذكراها الشهرية....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق