الصفحات

الخميس، 21 يوليو 2011

المتواليات والرحى المتآكله!!


المتواليات والرحى المتآكله!!
عبدالرحمن العسلي
بلغة العاطفة المُجردة لا يُمكن القول أكثر مما قاله الدكتور عبدالكريم الشامي ذات مرة على صفحته في الفيس بوك :  "عقول العرب هي ما يحتاج الى ثورة حقيقية إذا كنا فعلا نبغي المُضي نحو التغيير ، تنمية بشرية فعالة من أجل غدٍ مستدام أفضل ، هي اللبنة الأولى للتغيير وإلا سنظل ندور في متوالية مقفلة وكالرحى نتآكل مع الزمن"... إنتهى كلامه حفظة الله ...
وبلغة العقل المُجرد لا يكمن الإضافة أكثر الى ما قاله ، بيد أن المتواليات التي كان يحوم حولها تحتم علينا أن نعترف بكل ما قاله او رمي اليه الدكتور العزيز ... من الخطأ جدا القول بأن ما نحن اليوم عليه من إفلاس ثقافي وحضاري وأخلاقي جاء فجأة وبسبب شخص واحد او حتى نظام واحد ، ما نحن فيه هو تراكمُ عقودِ سيطرة قوى لا تفقه سوى العنف والقوة وإحمرار العيون والعشوائيه ، لن أعود الى التأريخ فمعظم ما جاء في التأريخ يتناقض والحقائق المنطقية الدامغة ، بل سأعود الى سنن الله في الكون والمنطق البسيط.
ما حدث مؤخرا خلال الثورة بل خلال أسابيعها المتأخرة يجعلني أؤكد كل ما اقوله وبغرور ، عمليات القتل والسلب والنهب ، عمليات الحرب الجماعية ، والهجوم الجماعي ، عمليات السيطرة على مدن بأكملها بواسطه مجاهيل ، تخلخل لميزان القوى بين عشية وضحاها ، إنعدام الإشياء الأساسية للحياه وإحتكارها ، إرهاب الناس وإقلاقهم و العبث بالسلم الإجتماعي ، كل هذا يصرخ في وجوهنا مصارحا لنا بالحقيقه بأننا لم نعد حضاريين!!
إن الفطرة الإنسانية السليمة تُناقض كل هذه التصرفات او حتى مجرد التفكير بها ولو إيرادا ، لأجل ماذا كل هذه التنازلات الأخلاقية الإنسانية المُرعبة ؟ أكاد أزعم بأنه لا يوجد مصوغ أخلاقي او حتى إنساني يستحق التبرير لهذه الأعمال ولو كان الأمر متعلقا بالدين او النفس او العرض ...
ما فتأنا نُنادي وندَّعي بأننا ذو خلفيات ومرجعيات عربية قائمة على الأخلاق والسمو ، وخلفيات إسلامية قائمة على السلم والتسامح والمحبة وإعمار الأرض ، وخلفيات إنسانية تحترم الإنسان لذاته ولكونه فقط إنسان ، لكني إجد نفسي مُرغما القول هنا بأن هذا مُجرد إدعاء وأنه كما قال الدكتور الشامي إدعاءٌ كالرحى تتآكل مع الزمن.
أيه يا دكتور!!! تلك هي المتواليات التي جعلتنا نتأكل مع الزمن ، هروب من مواجهة المُشلكة والإعتراف بها ، وظلينا نتخذ من الماضي المتهالك خطة دفاعية نهرب بها من مواجهة الواقع ، فصرنا رُحى لا نستطيع حتى حمل أنفسنا ، عالةً على المجتمعات ، منهزمين أخلاقين ، نُجيد عمليات الدسائس والقتل والبغض والكره والحروب النابيليونية اللامنتهية ...  إن مجرد التأوه إنما دثار يُشبه تلك الخطة الدفاعية للهروب من هذا الواقع الأليم ، وتبقى المتواليات تتنازع بعضها بعضا كما نتنازع بعضنا بعض كالضواري الشرسه...
يا للعجب!! مجرد ثورة او حفاظ على شرعية جعل منا شعبا بلا قيم وبلا أعراف وبلا أخلاق ، إن لم يكن الشعب كله فمُعظمه ، كلٌ يتمترس خلف هدفه ومُبتغاه والأرواح تُسفك والدماء تسيل والناس يُقاسون أشد أنواع العذاب الجبار العنيد ، يُعانون في قوت يومهم وفي مشربهم ومأكلهم وهم ضعفاء بسطاء لا يستطيعون تقديما او تأخيرا ، مالِ هذا السقوط المُريع للأخلاق العامة حتى لم نجد منكرا لمثل هذا المنكر ولا آمرا بمعروف يمنع عن الناس هذا العذاب وهذا الإضطهاد الجبروتي الحقير.
لازلتْ استغاثات أمي المسالمة تتوالى في مُخيلتي لتبعث فيَ إحتقارا لمؤوسساتنا الدينية والثقافية التي لم تستطع تأهيل إنسان يؤمن بإنسانيته طيلة 33 سنة ، وتبعث فيَ إحساسا يأكل بعضه باننا لا زلنا نحتاج ان نُعيد أن نتعلم الأخلاق الإنسانية من الألف حتى الياء كطفل في بداية عهده بالحياة ، كل إستغاثات امي الطيبة كانت عن حال بسطاء في حارتنا قالت أنهم لا يملكون حتى قوت يومهم ، لا يملكون الأشياء التي كفلها الله لكل المخلوقات ، ماءً يشربونه ، وطعاما يقتاتون به ، زاد من إنسانية تلك الإستغاثات إسترسال أمي في سرد القصص التي لا تتناسب و شعب كشعب اليمن المشهور بأخلاقه من لدن زمن بعيد..
سأبتعد عن ما قلت يا دكتوري قليلا وأقول أن الأمر يتطلب إعادة التفكير بالأخلاق الإنسانية البحته ، إعادة إحترام الإنسان فقط لإنسانيته ، إعادة قُدسية الإنسان وبكيانه البنائي ومن ثم كيانه المعنوي ، لازلنا نحتاج كل هذه الأشياء لنتقل الى ما قلت ، الى مرحلة التغيير والرُقي إنسانيا وتنظيميا ...
ختاما ، متوالياتنا تأبى أن تكون كالرحى لتتآكل مع الزمن ، وتأبى الا تقديما قُربانا بدلا عنها ، فإما أن نبدأ مرحلة بناء الإنسان وإحترام حقوقه وقوانين الله في الكون ، والا فليُهيء كلٌ منا نفسه ليكون قُربانا صالحا و لا ينسى أن يُزيت نفسه ليكون سهل الطحن و التآكل ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق